responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 268
يَدُ الْبَطَالَةِ. وَيُوقِدُ فِيهِ مَا أَطْفَأَتْهُ أَهْوِيَةُ النَّفْسِ. وَيَلُمُّ مِنْهُ مَا شَعَّثَتْهُ يَدُ التَّفْرِيطِ وَالْإِضَاعَةِ. وَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ مَا نَهَبَتْهُ أَكُفُّ اللُّصُوصِ وَالسُّرَّاقِ. وَيَزْرَعُ مِنْهُ مَا وَجَدَهُ بُورًا مِنْ أَرَاضِيهِ. وَيَقْلَعُ مَا وَجَدَهُ شَوْكًا وَشِبْرِقًا فِي نَوَاحِيهِ. وَيَسْتَفْرِغُ مِنْهُ مَا مَلَأَتْهُ مَوَادُّ الْأَخْلَاطِ الرَّدِيئَةِ الْفَاسِدَةِ الْمُتَرَامِيَةِ بِهِ إِلَى الْهَلَاكِ وَالْعَطَبِ. وَيُدَاوِي مِنْهُ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي أَصَابَتْهُ مِنْ عَبَرَاتِ الرِّيَاءِ. وَيَغْسِلُ مِنْهُ الْأَوْسَاخَ وَالْحَوْبَاتِ الَّتِي تَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ عَلَى تَقَادُمِ الْأَوْقَاتِ، حَتَّى لَوِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَأَحْزَنَهُ سَوَادُهُ وَوَسَخُهُ الَّذِي صَارَ دِبَاغًا لَهُ، فَيُطَهِّرُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ مِنْ يَنَابِيعِ الصِّدْقِ الْخَالِصَةِ مِنْ جَمِيعِ الْكَدُورَاتِ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ طَهُورُهُ بِالْجَحِيمِ وَالْحَمِيمِ. فَإِنَّهُ لَا يُجَاوِرُ الرَّحْمَنَ قَلْبٌ دَنِسٌ بِأَوْسَاخِ الشَّهَوَاتِ وَالرِّيَاءِ أَبَدًا. وَلَا بُدَّ مِنْ طَهُورٍ. فَاللَّبِيبُ يُؤْثِرُ أَسْهَلَ الطَّهُورَيْنِ وَأَنْفَعَهُمَا. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَوْلُهُ: وَعَلَامَةُ هَذَا الصَّادِقِ: أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ دَاعِيَةً تَدْعُو إِلَى نَقْضِ عَهْدٍ.
يَعْنِي أَنَّ الصَّادِقَ حَقِيقَةً: هُوَ الَّذِي قَدِ انْجَذَبَتْ قُوَى رُوحِهِ كُلُّهَا إِلَى إِرَادَةِ اللَّهِ وَطَلَبِهِ، وَالسَّيْرِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلِقَائِهِ. وَمَنْ تَكُونُ هَذِهِ حَالَهُ: لَا يَحْتَمِلُ سَبَبًا يَدْعُوهُ إِلَى نَقْضِ عَهْدِهِ مَعَ اللَّهِ بِوَجْهٍ.
وَقَوْلُهُ: وَلَا يَصْبِرُ عَلَى صُحْبَةِ ضِدٍّ.
الضِّدُّ عِنْدَ الْقَوْمِ: هُمْ أَهْلُ الْغَفْلَةِ، وَقُطَّاعُ طَرِيقِ الْقَلْبِ إِلَى اللَّهِ. وَأَضَرُّ شَيْءٍ عَلَى الصَّادِقِ: صُحْبَتُهُمْ، بَلْ لَا تَصْبِرُ نَفْسُهُ عَلَى ذَلِكَ أَبَدًا، إِلَّا مَعَ ضَرُورَةٍ. وَتَكُونُ صُحْبَتُهُمْ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ بِقَالَبِهِ وَشَبَحِهِ، دُونَ قَلْبِهِ وَرُوحِهِ. فَإِنَّ هَذَا لَمَّا اسْتَحْكَمَتِ الْغَفْلَةُ عَلَيْهِ كَمَا اسْتَحْكَمَ الصِّدْقُ فِي الصَّادِقِ: أَحَسَّتْ رُوحُهُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِالْمُضَادَّةِ. فَاشْتَدَّتِ النُّفْرَةُ. وَقَوِيَ الْهَرَبُ. وَبِحَسَبِ هَذِهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِحْسَاسِ الصَّادِقِ بِهَا: تَكُونُ نُفْرَتُهُ وَهَرَبُهُ عَنِ الْأَضْدَادِ. فَإِنَّ هَذَا الضِّدَّ إِنْ نَطَقَ أَحَسَّ قَلْبُ الصَّادِقِ: أَنَّهُ نَطَقَ بِلِسَانِ الْغَفْلَةِ، وَالرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ، وَطَلَبِ الْجَاهِ. وَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا أَوْ قَارِئًا، أَوْ مُصَلِّيًا أَوْ حَاجًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. فَنَفَرَ قَلْبُهُ مِنْهُ. وَإِنْ صَمَتَ أَحَسَّ قَلْبُهُ: أَنَّهُ صَمَتَ عَلَى غَيْرِ حُضُورٍ وَجَمْعِيَّةٍ عَلَى اللَّهِ، وَإِقْبَالٍ بِالْقَلْبِ عَلَيْهِ، وَعُكُوفِ السِّرِّ عَلَيْهِ. فَيَنْفِرُ مِنْهُ أَيْضًا. فَإِنَّ قَلْبَ الصَّادِقِ قَوِيُّ الْإِحْسَاسِ. فَيَجِدُ الْغَيْرِيَّةَ وَالْأَجْنَبِيَّةَ مِنَ الضِّدِّ. وَيَشَمُّ الْقَلْبُ الْقَلْبَ كَمَا يَشَمُّ الرَّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ. فَيَزْوِي وَجْهَهُ لِذَلِكَ. وَيَعْتَرِيهِ عُبُوسٌ. فَلَا يَأْنَسُ بِهِ إِلَّا تَكَلُّفًا. وَلَا يُصَاحِبُهُ إِلَّا ضَرُورَةً. فَيَأْخُذُ مِنْ صُحْبَتِهِ قَدْرَ الْحَاجَةِ، كَصُحْبَةِ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي مَصَالِحِهِ، كَالزَّوْجَةِ وَالْخَادِمِ وَنَحْوِهِ.
قَوْلُهُ: وَلَا يَقْعُدُ عَنِ الْجِدِّ بِحَالٍ.
يَعْنِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَادِقًا فِي طَلَبِهِ مُسْتَجْمِعَ الْقُوَّةِ: لَمْ يَقْعُدْ بِهِ عَزْمُهُ عَنِ الْجِدِّ فِي جَمِيعِ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 268
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست