responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 266
الْخَلْقِ مِنْ أَجْلِ صَلَاحِ قَلْبِهِ. وَلَا يُحِبُّ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى مَثَاقِيلِ الذَّرِّ مِنْ حُسْنِ عَمَلِهِ. وَلَا يَكْرَهُ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَى السَّيِّئِ مِنْ عَمَلِهِ. فَإِنَّ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحِبُّ الزِّيَادَةَ عِنْدَهُمْ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الصِّدِّيقِينَ.
وَفِي هَذَا نَظَرٌ. لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ لِاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَى مَسَاوِئِ عَمَلِهِ مِنْ جِنْسِ كَرَاهَتِهِ لِلضَّرْبِ وَالْمَرَضِ وَسَائِرِ الْآلَامِ. وَهَذَا أَمْرٌ جَبَلِيٌّ طَبِيعِيٌّ. وَلَا يَخْرُجُ صَاحِبُهُ عَنِ الصِّدْقِ، لَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ قُدْوَةً مُتَّبَعًا. فَإِنَّ كَرَاهَتَهُ لِذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِهِ. لِأَنَّ فِيهَا مَفْسَدَتَيْنِ: مَفْسَدَةَ تَرْكِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَاتِّبَاعِهِ عَلَى الْخَيْرِ وَتَنْفِيذِهِ. وَمَفْسَدَةَ اقْتِدَاءِ الْجُهَّالِ بِهِ فِيهَا. فَكَرَاهِيَتُهُ لِاطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَسَاوِئِ عَمَلِهِ: لَا تُنَافِي صِدْقَهُ، بَلْ قَدْ تَكُونُ مِنْ عَلَامَاتِ صِدْقِهِ.
نَعَمِ الْمُنَافِي لِلصِّدْقِ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مُرَادٌ سِوَى عِمَارَةِ حَالِهِ عِنْدَهُمْ، وَسُكْنَاهُ فِي قُلُوبِهِمْ تَعْظِيمًا لَهُ. فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ تَنْفِيذًا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَنَشْرًا لِدِينِهِ، وَأَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَدَعْوَةً إِلَى اللَّهِ: فَهَذَا الصَّادِقُ حَقًّا. وَاللَّهُ يَعْلَمُ سَرَائِرَ الْقُلُوبِ وَمَقَاصِدَهَا.
وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُحَاسِبِيِّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَكْرَهُ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى السَّيِّئِ مِنْ عَمَلِهِ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ ذَلِكَ فُضُولًا، وَدُخُولًا فِيمَا لَا يَعْنِي. فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حَيْثُ قَالَ: لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا - أَوْ عِقَالًا - كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ. فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ يَعُدُّونَهُ وَيَرَوْنَهُ مِنْ سَيِّئِ الْأَعْمَالِ عِنْدَ الْعَوَامِّ وَالْجُهَّالِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْفَرْضَ الدَّائِمَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ الْفَرْضُ الْمُؤَقَّتُ.
قِيلَ: وَمَا الْفَرْضُ الدَّائِمُ؟ قَالَ: الصِّدْقُ.
وَقِيلَ: مَنْ طَلَبَ اللَّهَ بِالصِّدْقِ أَعْطَاهُ مِرْآةً يُبْصِرُ فِيهَا الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ.
وَقِيلَ: عَلَيْكَ بِالصِّدْقِ حَيْثُ تَخَافُ أَنَّهُ يَضُرُّكَ. فَإِنَّهُ يَنْفَعُكَ. وَدَعِ الْكَذِبَ حَيْثُ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 266
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست