responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 258
وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْبِرِّ. وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ: مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالصَّبْرِ. بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الصِّدْقِ فَقَالَ {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177] وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصِّدْقَ بِالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. وَأَنَّ الصِّدْقَ هُوَ مَقَامُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.
وَقَسَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ النَّاسَ إِلَى صَادِقٍ وَمُنَافِقٍ. فَقَالَ {لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] .
وَالْإِيمَانُ أَسَاسُهُ الصِّدْقُ. وَالنِّفَاقُ أَسَاسُهُ الْكَذِبُ. فَلَا يَجْتَمِعُ كَذِبٌ وَإِيمَانٌ إِلَّا وَأَحَدُهُمَا مُحَارِبٌ لِلْآخَرِ.
وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ: أَنَّهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ وَيُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِهِ إِلَّا صِدْقُهُ. قَالَ تَعَالَى {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة: 119] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] فَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ: هُوَ مِنْ شَأْنِهِ الصِّدْقُ فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ وَحَالِهِ. فَالصِّدْقُ: فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ.
فَالصِّدْقُ فِي الْأَقْوَالِ: اسْتِوَاءُ اللِّسَانِ عَلَى الْأَقْوَالِ، كَاسْتِوَاءِ السُّنْبُلَةِ عَلَى سَاقِهَا. وَالصِّدْقُ فِي الْأَعْمَالِ: اسْتِوَاءُ الْأَفْعَالِ عَلَى الْأَمْرِ وَالْمُتَابَعَةِ. كَاسْتِوَاءِ الرَّأْسِ عَلَى الْجَسَدِ. وَالصِّدْقُ فِي الْأَحْوَالِ: اسْتِوَاءُ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْإِخْلَاصِ. وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ، وَبَذْلُ الطَّاقَةِ، فَبِذَلِكَ يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ. وَبِحَسَبِ كَمَالِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِيهِ وَقِيَامِهَا بِهِ: تَكُونُ صِدِّيقِيَّتُهُ. وَلِذَلِكَ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ: ذُرْوَةُ سَنَامِ الصِّدِّيقِيَّةِ، سُمِّيَ الصِّدِّيقَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالصِّدِّيقُ أَبْلَغُ مِنَ الصَّدُوقِ وَالصَّدُوقُ أَبْلَغُ مِنَ الصَّادِقِ.
فَأَعْلَى مَرَاتِبِ الصِّدْقِ: مَرْتَبَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ. وَهِيَ كَمَالُ الِانْقِيَادِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ كَمَالِ الْإِخْلَاصِ لِلْمُرْسِلِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 258
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست