responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 255
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186] . وَلِهَذَا نَزَلَتْ جَوَابًا لِلصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَقَدْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيَهُ؟ أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ» . فَهَذَا قُرْبُهُ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ: عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا بِالتَّكْبِيرِ. فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ. إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا. إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ. أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» .
فَهَذَا قُرْبٌ خَاصٌّ بِالدَّاعِي دُعَاءَ الْعِبَادَةِ وَالثَّنَاءِ وَالْحَمْدِ. وَهَذَا الْقُرْبُ لَا يُنَافِي كَمَالَ مُبَايَنَةِ الرَّبِّ لِخَلْقِهِ، وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ. بَلْ يُجَامِعُهُ وَيُلَازِمُهُ. فَإِنَّهُ لَيْسَ كَقُرْبِ الْأَجْسَامِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَلَكِنَّهُ نَوْعٌ آخَرُ. وَالْعَبْدُ فِي الشَّاهِدِ يَجِدُ رُوحَهُ قَرِيبَةً جِدًّا مِنْ مَحْبُوبٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَفَاوِزُ تَتَقَطَّعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ. وَيَجِدُهُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ جَلِيسِهِ. كَمَا قِيلَ.
أَلَا رُبَّ مَنْ يَدْنُو. وَيَزْعُمُ أَنَّهُ ... يُحِبُّكَ. وَالنَّائِي أَحَبُّ وَأَقْرَبُ
وَأَهْلُ السُّنَّةِ أَوْلِيَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَرَثَتُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ، الَّذِينَ هُوَ عِنْدَهُمْ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهَا: يَجِدُونَ نُفُوسَهُمْ أَقْرَبَ إِلَيْهِ. وَهُمْ فِي الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ عَنْهُ مِنْ جِيرَانِ حُجْرَتِهِ فِي الْمَدِينَةِ، وَالْمُحِبُّونَ الْمُشْتَاقُونَ لِلْكَعْبَةِ وَالْبَيْتِ الْحَرَامِ يَجِدُونَ قُلُوبَهُمْ وَأَرْوَاحَهُمْ أَقْرَبَ إِلَيْهَا مِنْ جِيرَانِهَا وَمَنْ حَوْلَهَا. هَذَا مَعَ عَدَمِ تَأَتِّي الْقُرْبِ مِنْهَا. فَكَيْفَ بِمَنْ يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَهُوَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ. وَأَهْلُ الذَّوْقِ لَا يَلْتَفِتُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى شُبْهَةِ مُعَطِّلٍ بَعِيدٍ مِنَ اللَّهِ، خَلِيٍّ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.
وَالْقَصْدُ: أَنَّ هَذَا الْقُرْبَ يَدْعُو صَاحِبَهُ إِلَى رُكُوبِ الْمَحَبَّةِ. وَكُلَّمَا ازْدَادَ حُبًّا ازْدَادَ قُرْبًا. فَالْمَحَبَّةُ بَيْنَ قُرْبَيْنِ: قُرْبٍ قَبْلَهَا، وَقُرْبٍ بَعْدَهَا، وَبَيْنَ مَعْرِفَتَيْنِ: مَعْرِفَةٍ قَبْلَهَا حَمَلَتْ عَلَيْهَا، وَدَعَتْ إِلَيْهَا، وَدَلَّتْ عَلَيْهَا. وَمَعْرِفَةٍ بَعْدَهَا. هِيَ مِنْ نَتَائِجِهَا وَآثَارِهَا.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست