|
||||
| نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم جلد : 2 صفحه : 249 | ||||
|
أَحْيَى كَانَ الْحَيَاءُ أَتَمَّ. قَالَ الْجُنَيْدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ: الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ. وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ، فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الْحَيَاءُ. وَحَقِيقَتُهُ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبَائِحِ. وَيَمْنَعُ مِنَ التَّفْرِيطِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْحَقِّ. وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَحْيُوا الْحَيَاءَ بِمُجَالَسَةِ مَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. وَعِمَارَةُ الْقَلْبِ: بِالْهَيْبَةِ وَالْحَيَاءِ. فَإِذَا ذَهَبَا مِنَ الْقَلْبِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ خَيْرٌ. وَقَالَ ذُو النُّونِ: الْحَيَاءُ وُجُودُ الْهَيْبَةِ فِي الْقَلْبِ مَعَ وَحْشَةِ مَا سَبَقَ مِنْكَ إِلَى رَبِّكَ، وَالْحُبُّ يُنْطِقُ وَالْحَيَاءُ يُسْكِتُ. وَالْخَوْفُ يُقْلِقُ. وَقَالَ السَّرِيُّ: إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْأُنْسَ يَطْرُقَانِ الْقَلْبَ. فَإِنْ وَجَدُوا فِيهِ الزُّهْدَ وَالْوَرَعَ وَإِلَّا رَحَلَا. وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ، «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ابْنَ آدَمَ. إِنَّكَ مَا اسْتَحْيَيْتَ مِنِّي أَنْسَيْتُ النَّاسَ عُيُوبَكَ. وَأَنْسَيْتُ بِقَاعَ الْأَرْضِ ذُنُوبَكَ. وَمَحَوْتُ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ زَلَّاتِكَ. وَإِلَّا نَاقَشْتُكَ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: «أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: عِظْ نَفْسَكَ. فَإِنِ اتَّعَظَتْ، وَإِلَّا فَاسْتَحِي مِنِّي أَنْ تَعِظَ النَّاسَ» . وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: خَمْسٌ مِنْ عَلَامَاتِ الشِّقْوَةِ: الْقَسْوَةُ فِي الْقَلْبِ. وَجُمُودُ الْعَيْنِ. وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ. وَالرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا. وَطُولُ الْأَمَلِ. وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ: «مَا أَنْصَفَنِي عَبْدِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَحْيِي أَنْ أَرُدَّهُ. وَيَعْصِينِي وَلَا يَسْتَحْيِي مِنِّي» . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ مُطِيعًا اسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ وَهُوَ مُذْنِبٌ. وَهَذَا الْكَلَامُ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ خُلُقُ الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ حَتَّى فِي حَالِ طَاعَتِهِ. فَقَلْبُهُ مُطْرَقٌ بَيْنَ يَدَيْهِ إِطْرَاقَ مُسْتَحٍ خَجِلٍ: فَإِنَّهُ إِذَا وَاقَعَ ذَنْبًا اسْتَحْيَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نَظَرِهِ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ. فَيَسْتَحْيِي أَنْ يَرَى مِنْ وَلِيِّهِ وَمَنْ يُكْرَمُ عَلَيْهِ: مَا يَشِينُهُ عِنْدَهُ. وَفِي الشَّاهِدِ شَاهِدٌ بِذَلِكَ. فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا اطَّلَعَ عَلَى أَخَصِّ النَّاسِ بِهِ، وَأَحَبِّهِمْ إِلَيْهِ، وَأَقْرَبِهِمْ مِنْهُ - مِنْ صَاحِبٍ، أَوْ وَلَدٍ، أَوْ مَنْ يُحِبُّهُ - وَهُوَ يَخُونُهُ. فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنْ ذَلِكَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ حَيَاءٌ عَجِيبٌ. حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ الْجَانِي. وَهَذَا غَايَةُ الْكَرَمِ. |
||||
| نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم جلد : 2 صفحه : 249 | ||||
|
www.eShia.ir