responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 243
إِذَا عَلِمْتَ حَقِيقَةَ الشُّكْرِ وَأَنَّ جُزْءَ حَقِيقَتِهِ: الِاسْتِعَانَةُ بِنِعَمِ الْمُنْعِمِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ: عَلِمْتَ اخْتِصَاصَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الدَّرَجَةِ. وَأَنَّ حَقِيقَةَ الشُّكْرِ عَلَى الْمَحَابِّ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ.
نَعَمْ لِغَيْرِهِمْ مِنْهَا بَعْضُ أَرْكَانِهَا وَأَجْزَائِهَا، كَالِاعْتِرَافِ بِالنِّعْمَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمُنْعِمِ بِهَا. فَإِنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ فِي نِعَمِ اللَّهِ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِاللَّهِ رَبًّا، وَتَفَرَّدَهُ بِالْخَلْقِ وَالْإِحْسَانِ. فَإِنَّهُ يُضِيفُ نِعْمَتَهُ إِلَيْهِ، لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي تَمَامِ حَقِيقَةِ الشُّكْرِ. وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ بِهَا عَلَى مَرْضَاتِهِ. وَقَدْ كَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ أَقَلَّ مَا يَجِبُ لِلْمُنْعِمِ عَلَى مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ: أَنْ لَا يَجْعَلَ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ سَبِيلًا إِلَى مَعْصِيَتِهِ.
وَقَدْ عُرِفَ مُرَادُ الشَّيْخِ. وَهُوَ أَنَّ هَذَا الشُّكْرَ مُشْتَرَكٌ. وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِنِعَمِهِ سُبْحَانَهُ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِهَا، وَالْإِحْسَانُ إِلَى خَلْقِهِ مِنْهَا. وَهَذَا بِلَا شَكٍّ يُوجِبُ حِفْظَهَا عَلَيْهِمْ وَالْمَزِيدَ مِنْهَا. فَهَذَا الْجُزْءُ مِنَ الشُّكْرِ مُشْتَرَكٌ. وَقَدْ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ فِي الدُّنْيَا بِعَاجِلِ الثَّوَابِ. وَفِي الْآخِرَةِ: بِتَخْفِيفِ الْعِقَابِ. فَإِنَّ النَّارَ دَرَكَاتٌ فِي الْعُقُوبَةِ مُخْتَلِفَةٌ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ الشُّكْرُ فِي الْمَكَارِهِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: الشُّكْرُ فِي الْمَكَارِهِ. وَهَذَا مِمَّنْ تَسْتَوِي عِنْدَهُ الْحَالَاتُ: إِظْهَارًا لِلرِّضَا. وَمِمَّنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ: لِكَظْمِ الْغَيْظِ، وَسَتْرِ الشَّكْوَى. وَرِعَايَةِ الْأَدَبِ. وَسَلُوكِ مَسْلَكِ الْعِلْمِ. وَهَذَا الشَّاكِرُ أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى إِلَى الْجَنَّةِ.
يَعْنِي أَنْ الشُّكْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ: أَشَدُّ وَأَصْعَبُ مِنَ الشُّكْرِ عَلَى الْمَحَابِّ. وَلِهَذَا كَانَ فَوْقَهُ فِي الدَّرَجَةِ. وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَحَدِ رَجُلَيْنِ:
إِمَّا رَجُلٌ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَالَاتِ: بَلْ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الْمَكْرُوهُ وَالْمَحْبُوبُ. فَشُكْرُ هَذَا: إِظْهَارٌ مِنْهُ لِلرِّضَا بِمَا نَزَلَ بِهِ. وَهَذَا مَقَامُ الرِّضَا.
الرَّجُلُ الثَّانِي: مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَحْوَالِ. فَهُوَ لَا يُحِبُّ الْمَكْرُوهَ. وَلَا يَرْضَى بِنُزُولِهِ بِهِ. فَإِذَا نَزَلَ بِهِ مَكْرُوهٌ شَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ، فَكَانَ شُكْرُهُ كَظْمًا لِلْغَيْظِ الَّذِي أَصَابَهُ، وَسَتْرًا لِلشَّكْوَى، وَرِعَايَةً مِنْهُ لِلْأَدَبِ، وَسُلُوكًا لِمَسْلَكِ الْعِلْمِ. فَإِنَّ الْعِلْمَ وَالْأَدَبَ يَأْمُرَانِ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. فَهُوَ يَسْلُكُ بِهَذَا الشُّكْرِ مَسْلَكَ الْعِلْمِ. لِأَنَّهُ شَاكِرٌ لِلَّهِ شُكْرَ مَنْ رَضِيَ بِقَضَائِهِ، كَحَالِ الَّذِي قَبْلَهُ. فَالَّذِي قَبْلَهُ: أَرْفَعُ مِنْهُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 243
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست