responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 239
بِهِ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَجْزِي بِهِ فَلْيُثْنِ. فَإِنَّهُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ شَكَرَهُ. وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطَ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» .
فَذَكَرَ أَقْسَامَ الْخَلْقِ الثَّلَاثَةَ: شَاكِرُ النِّعْمَةِ الْمُثْنِي بِهَا، وَالْجَاحِدُ لَهَا وَالْكَاتِمُ لَهَا. وَالْمُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا. فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ.
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ مَرْفُوعٍ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ. وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ. وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ. وَتَرْكُهُ كُفْرٌ. وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةٌ عَذَابٌ» .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّحَدُّثَ بِالنِّعْمَةِ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ، وَتَبْلِيغُ رِسَالَتِهِ، وَتَعْلِيمُ الْأُمَّةِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ النُّبُوَّةُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وَحَدِّثْ بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ اللَّهُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْقُرْآنُ. أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ يَعُمُّ النَّوْعَيْنِ. إِذْ كَلٌّ مِنْهُمَا نِعْمَةٌ مَأْمُورٌ بِشُكْرِهَا وَالتَّحَدُّثِ بِهَا. وَإِظْهَارِهَا مِنْ شُكْرِهَا.
قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْضًا مِنْ سُبُلِ الْعَامَّةِ.
يَا لَيْتَ الشَّيْخَ صَانَ كِتَابَهُ عَنْ هَذَا التَّعْلِيلِ. إِذْ جَعَلَ نِصْفَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ مِنْ أَضْعَفِ السُّبُلِ.
بَلِ الشُّكْرُ سَبِيلُ رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ أَجْمَعِينَ - أَخَصِّ خَلْقِهِ، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ.
وَيَا عَجَبًا! أَيُّ مَقَامٍ أَرْفَعُ مِنَ الشُّكْرِ الَّذِي يَنْدَرِجُ فِيهِ جَمِيعُ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ، حَتَّى الْمَحَبَّةُ وَالرِّضَا، وَالتَّوَكُّلُ وَغَيْرُهَا؟ فَإِنَّ الشُّكْرَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِهَا. وَتَاللَّهِ لَيْسَ لِخَوَاصِّ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَأَهْلِ الْقُرْبِ مِنْهُ سَبِيلٌ أَرْفَعَ مِنَ الشُّكْرِ وَلَا أَعْلَى. لِأَنَّ الشُّكْرَ عِنْدَهُمْ يَتَضَمَّنُ نَوْعَ دَعْوَى. وَأَنَّهُ شُكْرُ الْحَقِّ عَلَى إِنْعَامِهِ. فَفِي الشَّاكِرِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا رَسْمِهِ. لَمْ يَتَخَلَّصْ عَنْهَا، وَيَفْرُغْ مِنْهَا. فَلَوْ فَنِيَ عَنْهَا - بِتَحَقُّقِهِ أَنَّ الْحَقَّ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي شَكَرَ نَفْسِهُ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 239
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست