responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 218
الْمُوَفَّقِ، وَالْأُنْسَ بِهِ: مَقَامُ الْمُحِبِّ، وَالرِّضَا: وَصْفُ الْمُتَوَكِّلِ. يَعْنِي أَنْتَ عِنْدَهُ فِي طَبَقَاتِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. فَمَزِيدُكَ عِنْدَهُ مَزِيدُ الْعُمُومِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ.
وَقَوْلُهُ: إِنَّ مُعَامَلَتَهُ مَدْخُولَةٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا نَاقِصَةٌ عَنْ مُعَامَلَةِ الْمُقَرَّبِينَ الَّتِي أَوْجَبَتْ لَهُمْ هَذِهِ الْأَحْوَالَ.
الثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً سَالِمَةً، لَا عِلَّةَ فِيهَا وَلَا غِشَّ: لَأَثْمَرَتْ لَهُ الْأُنْسَ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ، وَالْأَحْوَالَ الْعَلِيَّةَ. فَإِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى شَكُورٌ. إِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ عَمَلُ عَبْدِهِ جَمَّلَ بِهِ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ. وَأَثَابَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقَائِقِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِيمَانِ بِحَسَبِ عَمَلِهِ. فَحَيْثُ لَمْ يَجِدْ أَثَرًا فِي قَلْبِهِ، مِنَ الْأُنْسِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ: اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَدْخُولٌ، غَيْرُ سَالِمٍ مِنَ الْآفَاتِ.
الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: أَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ تُضَاعَفُ إِلَى حَدٍّ مَعْلُومٍ مَحْسُوبٍ. وَأَمَّا أَعْمَالُ الْقَلْبِ: فَلَا يَنْتَهِي تَضْعِيفُهَا. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَعْمَالَ الْجَوَارِحِ: لَهَا حَدٌّ تَنْتَهِي إِلَيْهِ. وَتَقِفُ عِنْدَهُ. فَيَكُونُ جَزَاؤُهَا بِحَسَبِ حَدِّهَا. وَأَمَّا أَعْمَالُ الْقُلُوبِ: فَهِيَ دَائِمَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ تَوَارَى شُهُودُ الْعَبْدِ لَهَا.
مِثَالُهُ: أَنَّ الْمَحَبَّةَ وَالرِّضَا حَالُ الْمُحِبِّ الرَّاضِي، لَا تُفَارِقُهُ أَصْلًا. وَإِنْ تَوَارَى حُكْمُهَا. فَصَاحِبُهَا فِي مَزِيدٍ مُتَّصِلٍ. فَمَزِيدُ الْمُحِبِّ الرَّاضِي: مُتَّصِلٌ بِدَوَامِ هَذِهِ الْحَالِ لَهُ. فَهُوَ فِي مَزِيدٍ، وَلَوْ فَتَرَتْ جَوَارِحُهُ. بَلْ قَدْ يَكُونُ مَزِيدُهُ فِي حَالِ سُكُونِهِ وَفُتُورِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَزِيدِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ النَّوَافِلِ بِمَا لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا. وَيَبْلُغُ ذَلِكَ بِصَاحِبِهِ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَزِيدُهُ فِي حَالِ نَوْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَزِيدِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْقِيَامِ. وَأَكْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَزِيدِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ وَالْجُوعِ.
فَإِنْ أَنْكَرْتَ هَذَا فَتَأَمَّلْ مَزِيدَ نَائِمٍ بِاللَّهِ، وَقِيَامَ غَافِلٍ عَنِ اللَّهِ. فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى الْقُلُوبِ، وَالْهِمَمِ وَالْعَزَائِمِ، لَا إِلَى صُوَرِ الْأَعْمَالِ. وَقِيمَةُ الْعَبْدِ: هِمَّتُهُ وَإِرَادَتُهُ. فَمَنْ لَا يُرْضِيهِ غَيْرُ اللَّهِ - وَلَوْ أُعْطِيَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا - لَهُ شَأْنٌ. وَمَنْ يُرْضِيهِ أَدْنَى حَظٍّ مِنْ حُظُوظِهَا لَهُ شَأْنٌ. وَإِنْ كَانَتْ أَعْمَالُهُمَا فِي الصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ. وَقَدْ تَكُونُ أَعْمَالُ الْمُلْتَفِتِ إِلَى الْحُظُوظِ أَكْثَرَ وَأَشَقَّ. وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَرْبَابُ هَذَا الشَّأْنِ فِي مَسْأَلَةٍ. وَهِيَ: هَلْ لِلرِّضَا حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ؟
فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: ثَلَاثُ مَقَامَاتٍ لَا حَدَّ لَهَا: الزُّهْدُ، وَالْوَرَعُ، وَالرِّضَا.
وَخَالَفَهُ سُلَيْمَانُ ابْنُهُ - وَكَانَ عَارِفًا، حَتَّى إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يُقَدِّمُهُ عَلَى أَبِيهِ -

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست