responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 213
تُرِيدُ أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِمَوَاقِعِ الْقَدَرِ. لَا يَسُوؤُهَا مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا صَرْفُهَا عَنِ الْإِسْلَامِ. وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَوْمًا عِنْدَ رَابِعَةَ: اللَّهُمَّ ارْضَ عَنَّا. فَقَالَتْ: أَمَا تَسْتَحِي أَنْ تَسْأَلَهُ الرِّضَا عَنْكَ، وَأَنْتَ غَيْرُ رَاضٍ عَنْهُ؟ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ لَهَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ: مَتَى يَكُونُ الْعَبْدُ رَاضِيًا عَنِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: إِذَا كَانَ سُرُورُهُ بِالْمُصِيبَةِ مِثْلَ سُرُورِهِ بِالنِّعْمَةِ.
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ: مَا لِأَوْلِيَائِي وَالْهَمُّ بِالدُّنْيَا؟ إِنَّ الْهَمَّ بِالدُّنْيَا يُذْهِبُ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي مِنْ قُلُوبِهِمْ.
وَقِيلَ: أَكْثَرُ النَّاسِ هَمًّا بِالدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ هَمًّا فِي الْآخِرَةِ. وَأَقَلُّهُمْ هَمًّا بِالدُّنْيَا أَقَلُّهُمْ هَمًّا فِي الْآخِرَةِ.
فَالْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ، وَالرِّضَا بِهِ: يُذْهِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ وَالْحَزَنَ.
وَذُكِرَ عِنْدَ رَابِعَةَ وَلِيٌّ لِلَّهِ قُوتُهُ مِنَ الْمَزَابِلِ. فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَهَا: مَا ضَرَّ هَذَا أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ رِزْقَهُ فِي غَيْرِ هَذَا؟ فَقَالَتِ: اسْكُتْ يَا بَطَّالُ. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ أَرْضَى عَنْهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلُوهُ أَنْ يَنْقُلَهُمْ إِلَى مَعِيشَةٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَخْتَارُ لَهُمْ؟
وَفِي أَثَرٍ إِسْرَائِيلِيٍّ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَأَلَ رَبَّهُ عَمَّا فِيهِ رِضَاهُ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ رِضَاهُ فِي كُرْهِكَ، وَأَنْتَ لَا تَصْبِرُ عَلَى مَا تَكْرَهُ. فَقَالَ: يَا رَبِّ، دُلَّنِي عَلَيْهِ. فَقَالَ: إِنَّ رِضَاهُ فِي رِضَاكَ بِقَضَائِي.
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ، أَيُّ خَلْقِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: مَنْ إِذَا أَخَذْتُ مِنْهُ مَحْبُوبَهُ سَالَمَنِي. قَالَ: فَأَيُّ خَلْقِكَ أَنْتَ عَلَيْهِ سَاخِطٌ؟ قَالَ: مَنِ اسْتَخَارَنِي فِي أَمْرٍ فَإِذَا قَضَيْتُهُ لَهُ سَخِطَ قَضَائِي.
وَفِي أَثَرٍ آخَرَ: أَنَا اللَّهُ. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، قَدَّرْتُ التَّقَادِيرَ، وَدَبَّرْتُ التَّدَابِيرَ، وَأَحْكَمْتُ الصُّنْعَ. فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا مِنِّي حَتَّى يَلْقَانِي. وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ حَتَّى يَلْقَانِي.
الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: أَنَّ أَفْضَلَ الْأَحْوَالِ: الرَّغْبَةُ فِي اللَّهِ وَلَوَازِمُهَا. وَذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْيَقِينِ، وَالرِّضَا عَنِ اللَّهِ. وَلِهَذَا قَالَ سَهْلٌ: حَظُّ الْخَلْقِ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى قَدْرِ حَظِّهِمْ مِنَ الرِّضَا. وَحَظُّهُمْ مِنَ الرِّضَا عَلَى قَدْرِ رَغْبَتِهِمْ فِي اللَّهِ.
الثَّالِثُ وَالْخَمْسُونَ: أَنَّ الرِّضَا يُخَلِّصُهُ مِنْ عَيْبِ مَا لَمْ يُعِبْهُ اللَّهُ. وَمِنْ ذَمِّ مَا لَمْ يَذُمَّهُ اللَّهُ. فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِالشَّيْءِ عَابَهُ بِأَنْوَاعِ الْمَعَايِبِ. وَذَمَّهُ بِأَنْوَاعِ الْمَذَامِّ. وَذَلِكَ مِنْهُ قِلَّةُ حَيَاءٍ مِنَ اللَّهِ. وَذَمٌّ لِمَا لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ، وَعَيْبٌ لِخَلْقِهِ. وَذَلِكَ يُسْقِطُ الْعَبْدَ مِنْ عَيْنِ رَبِّهِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا صَنَعَ لَكَ طَعَامًا وَقَدَّمَهُ إِلَيْكَ فَعِبْتَهُ وَذَمَمْتَهُ، لَكُنْتَ مُتَعَرِّضًا لِمَقْتِهِ وَإِهَانَتِهِ، وَمُسْتَدْعِيًا مِنْهُ: أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ عَنْكَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: إِنَّ ذَمَّ الْمَصْنُوعِ وَعَيْبَهُ -

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست