responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 207
الثَّوْرِيُّ: قَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ مَوْتَ الْفُجَاءَةِ قَبْلَ الْيَوْمِ. وَأَمَّا الْيَوْمَ: فَوَدِدْتُ أَنِّي مَيِّتٌ.
فَقَالَ لَهُ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: وَلِمَ؟ فَقَالَ: لِمَا أَتَخَوَّفُ مِنَ الْفِتْنَةِ.
فَقَالَ يُوسُفُ: لَكِنِّي لَا أَكْرَهُ طُولَ الْبَقَاءِ.
فَقَالَ الثَّوْرِيُّ: وَلِمَ تَكْرَهُ الْمَوْتَ؟
قَالَ: لَعَلِّي أُصَادِفُ يَوْمًا أَتُوبُ فِيهِ وَأَعْمَلُ صَالِحًا.
فَقِيلَ لِوُهَيْبٍ: أَيُّ شَيْءٍ تَقُولُ أَنْتَ؟
فَقَالَ: أَنَا لَا أَخْتَارُ شَيْئًا، أَحَبُّ ذَلِكَ إِلَيَّ أَحَبُّهُ إِلَى اللَّهِ.
فَقَبَّلَ الثَّوْرِيُّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وَقَالَ: رُوحَانِيَّةٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
فَهَذَا حَالُ عَبْدٍ قَدِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ حَالَةُ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ. وَقَفَ مَعَ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ مِنْهَا. وَقَدْ كَانَ وُهَيْبٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ الْمَقَامُ الْعَالِي مِنَ الرِّضَا وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَنْعَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنَ الْمُحِبِّ عَطَاءٌ، وَابْتِلَاءَهُ إِيَّاهُ عَافِيَةٌ. قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَنْعُهُ عَطَاءٌ. وَذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ عَنْ بُخْلٍ وَلَا عَدَمٍ. وَإِنَّمَا نَظَرَ فِي خَيْرِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ فَمَنَعَهُ اخْتِيَارًا وَحُسَنَ نَظَرٍ.
وَهَذَا كَمَا قَالَ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَقْضِي لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، سَاءَهُ ذَلِكَ الْقَضَاءُ أَوْ سَرَّهُ. فَقَضَاؤُهُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنَ الْمَنْعَ عَطَاءٌ. وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ. وَنِعْمَةٌ. وَإِنْ كَانَتْ فِي صُورَةِ مِحْنَةٍ. وَبَلَاؤُهُ عَافِيَةٌ. وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ بَلِيَّةٍ. وَلَكِنْ لِجَهْلِ الْعَبْدِ وَظُلْمِهِ لَا يَعُدُّ الْعَطَاءَ وَالنِّعْمَةَ وَالْعَافِيَةَ إِلَّا مَا الْتَذَّ بِهِ فِي الْعَاجِلِ. وَكَانَ مُلَائِمًا لِطَبْعِهِ. وَلَوْ رُزِقَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ حَظًّا وَافِرًا لَعَدَّ الْمَنْعَ نِعْمَةً، وَالْبَلَاءَ رَحْمَةً. وَتَلَذَّذَ بِالْبَلَاءِ أَكْثَرَ مِنْ لَذَّتِهِ بِالْعَافِيَةِ. وَتَلَذَّذَ بِالْفَقْرِ أَكْثَرَ مِنْ لَذَّتِهِ بِالْغِنَى. وَكَانَ فِي حَالِ الْقِلَّةِ أَعْظَمَ شُكْرًا مِنْ حَالِ الْكَثْرَةِ.
وَهَذِهِ كَانَتْ حَالَ السَّلَفِ.
فَالْعَاقِلُ الرَّاضِي: مَنْ يَعُدُّ الْبَلَاءَ عَافِيَةً، وَالْمَنْعَ نِعْمَةً، وَالْفَقْرَ غِنًى.
وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ إِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلًا، فَقُلْ: مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ. وَإِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلًا. فَقُلْ: ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست