responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 195
فَإِنْ أَرَدْتَ مَزِيدَ إِيضَاحٍ لِذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْخَيْرِ ثَلَاثَةٌ: الْإِيجَادُ، وَالْإِعْدَادُ، وَالْإِمْدَادُ. فَهَذِهِ هِيَ الْخَيْرَاتُ وَأَسْبَابُهَا.
فَإِيجَادُ السَّبَبِ خَيْرٌ. وَهُوَ إِلَى اللَّهِ. وَإِعْدَادُهُ خَيْرٌ. وَهُوَ إِلَيْهِ أَيْضًا. وَإِمْدَادُهُ خَيْرٌ. وَهُوَ إِلَيْهِ أَيْضًا.
فَإِذَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ إِعْدَادٌ وَلَا إِمْدَادٌ حَصَلَ فِيهِ الشَّرُّ بِسَبَبِ هَذَا الْعَدَمِ الَّذِي لَيْسَ إِلَى الْفَاعِلِ. وَإِنَّمَا إِلَيْهِ ضِدُّهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلَّا أَمَدَّهُ إِذْ أَوْجَدَهُ؟
قُلْتُ: مَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَادَهُ وَإِمْدَادَهُ. فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يُوجِدُ وَيُمِدُّهُ، وَمَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَادَهُ وَتَرْكَ إِمْدَادِهِ: أَوْجَدَهُ بِحِكْمَتِهِ وَلَمْ يُمِدَّهُ بِحِكْمَتِهِ. فَإِيجَادُهُ خَيْرٌ. وَالشَّرُّ وَقَعَ مِنْ عَدَمِ إِمْدَادِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلَّا أَمَدَّ الْمَوْجُودَاتِ كُلَّهَا؟
قُلْتُ: فَهَذَا سُؤَالٌ فَاسِدٌ، يَظُنُّ مُورِدُهُ أَنْ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمَوْجُودَاتِ أَبْلَغُ فِي الْحِكْمَةِ. وَهَذَا عَيْنُ الْجَهْلِ، بَلِ الْحِكْمَةُ كُلُّ الْحِكْمَةِ فِي هَذَا التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ الْوَاقِعِ بَيْنَهَا. وَلَيْسَ فِي خَلْقِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا تَفَاوُتٌ. فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا لَيْسَ فِي خَلْقِهِ مِنْ تَفَاوُتٍ. وَالتَّفَاوُتُ إِنَّمَا وَقَعَ بِأُمُورٍ عَدْمِيَّةٍ، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْخَلْقُ. وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْخَلْقِ مِنْ تَفَاوُتٍ.
فَإِنِ اعْتَاصَ ذَلِكَ عَلَيْكَ، وَلَمْ تَفْهَمْهُ حَقَّ الْفَهْمِ. فَرَاجِعْ قَوْلَ الْقَائِلِ:
إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ ... وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
كَمَا ذُكِرَ: أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ اجْتَمَعَ بِالْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ. وَحَرَصَ عَلَى فَهْمِ الْعَرُوضِ مِنْهُ: فَأَعْيَاهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْخَلِيلُ يَوْمًا: قَطِّعْ لِي هَذَا الْبَيْتَ. وَأَنْشَدَهُ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا - الْبَيْتَ فَفَهِمَ مَا أَرَادَ. فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ الرِّضَا بِاللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ وَأَحْكَامِهِ. وَلَا يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِمَفْعُولَاتِهِ كُلِّهَا. بَلْ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ: أَنْ يُوَافِقَهُ عَبْدُهُ فِي رِضَاهُ وَسَخَطِهِ. فَيَرْضَى مِنْهَا بِمَا يَرْضَى بِهِ. وَيَسْخَطُ مِنْهَا مَا سَخِطَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهُوَ سُبْحَانُهُ يَرْضَى عُقُوبَةَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْعَبْدَ أَنْ يَرْضَى بِعُقُوبَتِهِ لَهُ؟
قِيلَ: لَوْ وَافَقَهُ فِي رِضَاهُ بِعُقُوبَتِهِ لَانْقَلَبَتْ لَذَّةً وَسُرُورًا. وَلَكِنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 195
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست