responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 181
الدَّرَجَةُ مُشْتَرَكَةٌ. فَإِنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ يَصِحُّ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ. وَغَايَتُهُ التَّسْلِيمُ لِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ. فَأَيْنَ هَذَا مِنَ الرِّضَا بِهِ رَبًّا وَإِلَهًا وَمَعْبُودًا؟
وَأَيْضًا فَالرِّضَا بِهِ رَبًّا فَرْضٌ. بَلْ هُوَ مِنْ آكَدِ الْفُرُوضِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ. فَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ رَبًّا، لَمْ يَصِحَّ لَهُ إِسْلَامٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا حَالٌ.
وَأَمَّا الرِّضَا بِقَضَائِهِ: فَأَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ. وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَقِيلَ: بَلْ هُوَ وَاجِبٌ، وَهُمَا قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.
فَالْفَرْقُ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ فَرْقُ مَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّدْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ الْإِلَهِيِّ الصَّحِيحِ «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ أَفْضَلُ وَأَعْلَى مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الرِّضَا بِهِ رَبًّا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا عَنْهُ، وَيَسْتَلْزِمُهُ. فَإِنَّ الرِّضَا بِرُبُوبِيَّتِهِ: هُوَ رِضَا الْعَبْدِ بِمَا يَأْمُرُهُ بِهِ، وَيَنْهَاهُ عَنْهُ، وَيَقْسِمُهُ لَهُ وَيُقَدِّرُهُ عَلَيْهِ، وَيُعْطِيهِ إِيَّاهُ، وَيَمْنَعُهُ مِنْهُ. فَمَتَى لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَضِيَ بِهِ رَبًّا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. وَإِنْ كَانَ رَاضِيًا بِهِ رَبًّا مِنْ بَعْضِهَا. فَالرِّضَا بِهِ رَبًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ: يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا عَنْهُ، وَيَتَضَمَّنُهُ بِلَا رَيْبٍ.
وَأَيْضًا: فَالرِّضَا بِهِ رَبًّا مُتَعَلِّقٌ بِذَاتِهِ، وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، فَهُوَ الرِّضَا بِهِ خَالِقًا وَمُدَبِّرًا، وَآمِرًا وَنَاهِيًا، وَمَلِكًا، وَمُعْطِيًا وَمَانِعًا، وَحَكَمًا، وَوَكِيلًا وَوَلِيًّا، وَنَاصِرًا وَمُعِينًا، وَكَافِيًا وَحَسِيبًا وَرَقِيبًا، وَمُبْتَلِيًا وَمُعَافِيًا، وَقَابِضًا وَبَاسِطًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ.
وَأَمَّا الرِّضَا عَنْهُ: فَهُوَ رِضَا الْعَبْدِ بِمَا يَفْعَلُهُ بِهِ، وَيُعْطِيهِ إِيَّاهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِئْ إِلَّا فِي الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27] فَهَذَا بِرِضَاهَا عَنْهُ لِمَا حَصَلَ لَهَا مِنْ كَرَامَتِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8] .
وَالرِّضَا بِهِ: أَصْلُ الرِّضَا عَنْهُ، وَالرِّضَا عَنْهُ: ثَمَرَةُ الرِّضَا بِهِ.
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرِّضَا بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ. وَالرِّضَا عَنْهُ: مُتَعَلِّقٌ بِثَوَابِهِ وَجَزَائِهِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 181
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست