responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 173
حَقِيقَةُ الْعِلْمِ أَدَّاهُ إِلَى الرِّضَا.
وَلَيْسَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةُ كَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ. فَإِنَّ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ حَالَانِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. لَا يُفَارِقَانِ الْمُتَلَبِّسَ بِهِمَا فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي الْبَرْزَخِ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ. بِخِلَافِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ. فَإِنَّهُمَا يُفَارِقَانِ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِحُصُولِ مَا كَانُوا يَرْجُونَهُ، وَأَمْنِهِمْ مِمَّا كَانُوا يَخَافُونَهُ. وَإِنْ كَانَ رَجَاؤُهُمْ لِمَا يَنَالُونَ مِنْ كَرَامَتِهِ دَائِمًا، لَكِنَّهُ لَيْسَ رَجَاءً مَشُوبًا بِشَكٍّ. بَلْ هُوَ رَجَاءٌ وَاثِقٌ بِوَعْدٍ صَادِقٍ، مِنْ حَبِيبٍ قَادِرٍ. فَهَذَا لَوْنٌ وَرَجَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا لَوْنٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ: الرِّضَا سُكُونُ الْقَلْبِ إِلَى قَدِيمِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَنَّهُ اخْتَارَ لَهُ الْأَفْضَلَ. فَيَرْضَى بِهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا رِضًا بِمَا مِنْهُ. وَأَمَّا الرِّضَا بِهِ: فَأَعْلَى مِنْ هَذَا وَأَفْضَلُ. فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ هُوَ رَاضٍ بِمَحْبُوبِهِ، وَبَيْنَ مَنْ هُوَ رَاضٍ بِمَا يَنَالُهُ مِنْ مَحْبُوبِهِ مِنْ حُظُوظِ نَفْسِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ شَرْطُ الرِّضَا]
فَصْلٌ
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرِّضَا أَلَّا يُحِسَّ بِالْأَلَمِ وَالْمَكَارِهِ
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الرِّضَا أَلَّا يُحِسَّ بِالْأَلَمِ وَالْمَكَارِهِ. بَلْ أَلَّا يَعْتَرِضَ عَلَى الْحُكْمِ وَلَا يَتَسَخَّطَهُ. وَلِهَذَا أُشْكِلَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ، وَطَعَنُوا فِيهِ. وَقَالُوا: هَذَا مُمْتَنِعٌ عَلَى الطَّبِيعَةِ. وَإِنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ، وَإِلَّا فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الرِّضَا وَالْكَرَاهَةُ؟ وَهُمَا ضِدَّانِ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ وُجُودَ التَّأَلُّمِ وَكَرَاهَةَ النَّفْسِ لَهُ لَا يُنَافِي الرِّضَا، كَرِضَا الْمَرِيضِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ الْكَرِيهِ، وَرِضَا الصَّائِمِ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْحَرِّ بِمَا يَنَالُهُ مِنْ أَلَمِ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ، وَرِضَا الْمُجَاهِدِ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ، وَغَيْرِهَا.
وَطَرِيقُ الرِّضَا طَرِيقٌ مُخْتَصَرَةٌ، قَرِيبَةٌ جِدًّا، مُوصِلَةٌ إِلَى أَجَلِّ غَايَةٍ. وَلَكِنَّ فِيهَا مَشَقَّةً. وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَتْ مَشَقَّتُهَا بِأَصْعَبَ مِنْ مَشَقَّةِ طَرِيقِ الْمُجَاهِدَةِ. وَلَا فِيهَا مِنَ الْعَقَبَاتِ وَالْمَفَاوِزِ مَا فِيهَا. وَإِنَّمَا عَقَبَتُهَا هِمَّةٌ عَالِيَةٌ. وَنَفْسٌ زَكِيَّةٌ، وَتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى كُلِّ مَا يَرِدُ عَلَيْهَا مِنَ اللَّهِ.
وَيُسَهِّلُ ذَلِكَ عَلَى الْعَبْدِ: عِلْمُهُ بِضَعْفِهِ وَعَجْزِهِ وَرَحْمَتُهُ بِهِ، وَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَبِرُّهُ بِهِ، فَإِذَا شَهِدَ هَذَا وَهَذَا، وَلَمْ يَطْرَحْ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَيَرْضَى بِهِ وَعَنْهُ، وَتَنْجَذِبْ دَوَاعِي حُبِّهِ وَرِضَاهُ كُلُّهَا إِلَيْهِ: فَنَفْسُهُ نَفْسٌ مَطْرُودَةٌ عَنِ اللَّهِ، بَعِيدَةٌ عَنْهُ. لَيْسَتْ مُؤَهَّلَةً لِقُرْبِهِ وَمُوَالَاتِهِ، أَوْ نَفْسٌ مُمْتَحَنَةٌ مُبْتَلَاةٌ بِأَصْنَافِ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست