responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 167
وَيُحْكَى عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْعَابِدَاتِ أَنَّهَا عَثَرَتْ. فَانْقَطَعَتْ إِصْبَعُهَا. فَضَحِكَتْ. فَقَالَ لَهَا بَعْضُ مَنْ مَعَهَا: أَتَضْحَكِينَ، وَقَدِ انْقَطَعَتْ إِصْبَعُكِ؟ فَقَالَتْ: أُخَاطِبُكَ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ. حَلَاوَةُ أَجْرِهَا أَنْسَتْنِي مَرَارَةَ ذِكْرِهَا. إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَقْلَهُ لَا يَحْتَمِلُ مَا فَوْقَ هَذَا الْمَقَامِ. مِنْ مُلَاحَظَةِ الْمُبْتَلِي. وَمُشَاهَدَةِ حُسْنِ اخْتِيَارِهِ لَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ، وَتَلَذُّذِهَا بِالشُّكْرِ لَهُ، وَالرِّضَا عَنْهُ، وَمُقَابَلَةِ مَا جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِالْحَمْدِ وَالشُّكْرِ. كَمَا قِيلَ:
لَئِنْ سَاءَنِي أَنْ نِلْتَنِي بِمُسَاءَةٍ ... فَقَدْ سَرَّنِي أَنِّي خَطَرْتُ بِبَالِكَا

[فَصْلٌ صَبْرُ الْعَامَّةِ]
فَصْلٌ
قَالَ وَأَضْعَفُ الصَّبْرِ: الصَّبْرُ لِلَّهِ. وَهُوَ صَبْرُ الْعَامَّةِ. وَفَوْقَهُ: الصَّبْرُ بِاللَّهِ. وَهُوَ صَبْرُ الْمُرِيدِينَ. وَفَوْقَهُ: الصَّبْرُ عَلَى اللَّهِ. وَهُوَ صَبْرُ السَّالِكِينَ.
مَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّ صَبْرَ الْعَامَّةِ لِلَّهِ. أَيْ رَجَاءَ ثَوَابِهِ، وَخَوْفَ عِقَابِهِ. وَصَبْرُ الْمُرِيدِينَ بِاللَّهِ. أَيْ بِقُوَّةِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ. فَهُمْ لَا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ صَبْرًا، وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ عَلَيْهِ. بَلْ حَالُهُمُ التَّحَقُّقُ بِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ " عِلْمًا وَمَعْرِفَةً وَحَالًا.
وَفَوْقَهُمَا: الصَّبْرُ عَلَى اللَّهِ. أَيْ عَلَى أَحْكَامِهِ. إِذْ صَاحِبُهُ يَشْهَدُ الْمُتَصَرِّفَ فِيهِ. فَهُوَ يَصْبِرُ عَلَى أَحْكَامِهِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ، جَالِبَةً عَلَيْهِ مَا جَلَبَتْ مِنْ مَحْبُوبٍ وَمَكْرُوهٍ. فَهَذِهِ دَرَجَةُ صَبْرِ السَّالِكِينَ.
وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عِنْدَهُ مِنَ الْعَوَامِّ. إِذْ هُوَ فِي مَقَامِ الصَّبْرِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ وَأَنَّهُ مِنْ أَضْعَفِ مَنَازِلِهِمْ.
هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ الصَّبْرَ لِلَّهِ فَوْقَ الصَّبْرِ بِاللَّهِ، وَأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْهُ وَأَجَلُّ. فَإِنَّ الصَّبْرَ لِلَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِإِلَهِيَّتِهِ. وَالصَّبْرُ بِهِ: مُتَعَلِّقٌ بِرُبُوبِيَّتِهِ. وَمَا تَعَلَّقَ بِإِلَهِيَّتِهِ أَكْمَلُ وَأَعْلَى مِمَّا تَعَلَّقَ بِرُبُوبِيَّتِهِ.
وَلِأَنَّ الصَّبْرَ لَهُ: عِبَادَةٌ. وَالصَّبْرَ بِهِ اسْتِعَانَةٌ. وَالْعِبَادَةُ غَايَةٌ. وَالِاسْتِعَانَةُ وَسِيلَةٌ. وَالْغَايَةُ مُرَادَةٌ لِنَفْسِهَا، وَالْوَسِيلَةُ مُرَادَةٌ لِغَيْرِهَا.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 167
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست