responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 156
فَالْأَوَّلَانِ: صَبْرٌ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَسْبِ. وَالثَّالِثُ: صَبْرٌ عَلَى مَا لَا كَسْبَ لِلْعَبْدِ فِيهِ.
وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ: كَانَ صَبْرُ يُوسُفَ عَنْ مُطَاوَعَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ عَلَى شَأْنِهَا: أَكْمَلُ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى إِلْقَاءِ إِخْوَتِهِ لَهُ فِي الْجُبِّ، وَبَيْعِهِ وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ. فَإِنَّ هَذِهِ أُمُورٌ جَرَتْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ، لَا كَسْبَ لَهُ فِيهَا، لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حِيلَةٌ غَيْرَ الصَّبْرِ، وَأَمَّا صَبْرُهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ: فَصَبْرُ اخْتِيَارٍ وَرِضًا وَمُحَارَبَةٍ لِلنَّفْسِ. وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْوَى مَعَهَا دَوَاعِي الْمُوَافَقَةِ. فَإِنَّهُ كَانَ شَابًّا، وَدَاعِيَةُ الشَّبَابِ إِلَيْهَا قَوِيَّةٌ. وَعَزَبًا لَيْسَ لَهُ مَا يُعَوِّضُهُ وَيَرُدُّ شَهْوَتَهُ. وَغَرِيبًا، وَالْغَرِيبُ لَا يَسْتَحِي فِي بَلَدِ غُرْبَتِهِ مِمَّا يَسْتَحِي مِنْهُ مَنْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَمَعَارِفِهِ وَأَهْلِهِ. وَمَمْلُوكًا، وَالْمَمْلُوكُ أَيْضًا لَيْسَ وَازِعُهُ كَوَازِعِ الْحُرِّ. وَالْمَرْأَةُ جَمِيلَةٌ، وَذَاتُ مَنْصِبٍ. وَهِيَ سَيِّدَتُهُ. وَقَدْ غَابَ الرَّقِيبُ. وَهِيَ الدَّاعِيَةُ لَهُ إِلَى نَفْسِهَا. وَالْحَرِيصَةُ عَلَى ذَلِكَ أَشَدَّ الْحِرْصِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَوَعَّدَتْهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ بِالسِّجْنِ وَالصَّغَارِ. وَمَعَ هَذِهِ الدَّوَاعِي كُلِّهَا صَبَرَ اخْتِيَارًا، وَإِيثَارًا لِمَا عِنْدَ اللَّهِ. وَأَيْنَ هَذَا مِنْ صَبْرِهِ فِي الْجُبِّ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ؟
وَكَانَ يَقُولُ: الصَّبْرُ عَلَى أَدَاءِ الطَّاعَاتِ: أَكْمَلُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَفْضَلُ; فَإِنَّ مَصْلَحَةَ فِعْلِ الطَّاعَةِ أَحَبُّ إِلَى الشَّارِعِ مِنْ مَصْلَحَةِ تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ. وَمُفْسِدَةُ عَدَمِ الطَّاعَةِ: أَبْغَضُ إِلَيْهِ وَأَكْرَهُ مِنْ مَفْسَدَةِ وُجُودِ الْمَعْصِيَةِ.
وَلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ مُصَنَّفٌ قَرَّرَهُ فِيهِ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ وَجْهًا. لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذِكْرِهَا.
وَالْمَقْصُودُ: الْكَلَامُ عَلَى الصَّبْرِ وَحَقِيقَتِهِ وَدَرَجَاتِهِ وَمَرْتَبَتِهِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

[فَصْلٌ أَنْوَاعُ الصَّبْرِ]
[الصَّبْرُ بِاللَّهِ وَلِلَّهِ وَمَعَ اللَّهِ]
فَصْلٌ أَنْوَاعُ الصَّبْرِ
وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: صَبْرٌ بِاللَّهِ. وَصَبْرٌ لِلَّهِ. وَصَبْرٌ مَعَ اللَّهِ.
فَالْأَوَّلُ: صَبْرُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَرُؤْيَتُهُ أَنَّهُ هُوَ الْمُصَبِّرُ، وَأَنَّ صَبْرَ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ لَا بِنَفْسِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل: 127] يَعْنِي إِنْ لَمْ يُصَبِّرْكَ هُوَ لَمْ تَصْبِرْ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 156
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست