responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 147
وَصَاحِبُ هَذَا التَّخَلُّصِ: هُوَ صَاحِبُ الْقَلْبِ السَّلِيمِ الَّذِي لَا يَنْجُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّ التَّسْلِيمَ ضِدُّ الْمُنَازَعَةِ.
وَالْمُنَازَعَةُ: إِمَّا بِشُبْهَةٍ فَاسِدَةٍ، تُعَارِضُ الْإِيمَانَ بِالْخَبَرِ عَمَّا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَالتَّسْلِيمُ لَهُ: تَرْكُ مُنَازَعَتِهِ بِشُبُهَاتِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْبَاطِلَةِ.
وَإِمَّا بِشَهْوَةٍ تُعَارِضُ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَالتَّسْلِيمُ لِلْأَمْرِ بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا.
أَوْ إِرَادَةٍ تُعَارِضُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ عَبْدِهِ، فَتُعَارِضُهُ إِرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمُرَادِ الْعَبْدِ مِنَ الرَّبِّ. فَالتَّسْلِيمُ: بِالتَّخَلُّصِ مِنْهَا.
أَوِ اعْتِرَاضٍ يُعَارِضُ حِكْمَتَهُ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ خِلَافُ مَا شَرَعَ، وَخِلَافُ مَا قَضَى وَقَدَّرَ. فَالتَّسْلِيمُ: التَّخَلُّصُ مِنْ هَذِهِ الْمُنَازَعَاتِ كُلِّهَا.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ مِنْ أَجَلِّ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ، وَأَعْلَى طُرُقِ الْخَاصَّةِ، وَأَنَّ التَّسْلِيمَ هُوَ مَحْضُ الصِّدِّيقِيَّةِ، الَّتِي هِيَ بَعْدَ دَرَجَةِ النُّبُوَّةِ، وَأَنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ تَسْلِيمًا: أَكْمَلُهُمْ صِدِّيقِيَّةً.
فَلْنَرْجِعْ إِلَى شَرْحِ كَلَامِ الشَّيْخِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: تَسْلِيمُ مَا يُزَاحِمُ الْعُقُولَ مِمَّا سَبَقَ عَلَى الْأَوْهَامِ
فَيَعْنِي: أَنَّ التَّسْلِيمَ يَقْتَضِي مَا يَنْهَى عَنْهُ الْعَقْلُ وَيُزَاحِمُهُ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّجْرِيدَ عَنِ الْأَسْبَابِ. وَالْعَقْلُ يَأْمُرُ بِهَا. فَصَاحِبُ التَّسْلِيمِ يُسَلِّمُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا هُوَ غَيْبٌ عَنِ الْعَبْدِ. فَإِنَّ فِعْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذِهِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنْهَى الْعَقْلُ عَنِ التَّجَرُّدِ عَنْهَا. فَإِذَا سَلَّمَ لِلَّهِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى السَّبَبِ فِي كُلِّ مَا غَابَ عَنْهُ.
فَالْأَوْهَامُ يَسْبِقُ عَلَيْهَا: أَنَّ مَا غَابَ عَنْهَا مِنَ الْحِكَمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِالْأَسْبَابِ. وَالتَّسْلِيمُ يَقْتَضِي التَّجَرُّدَ عَنْهَا. وَالْعَقْلُ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ. وَالْوَهْمُ قَدْ سَبَقَ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَيْبَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا.
فَهَاهُنَا أُمُورٌ سِتَّةٌ: عَقْلٌ، وَمُزَاحِمٌ لَهُ، وَوَهْمٌ، وَسَائِقٌ إِلَيْهِ، وَغَيْبٌ، وَتَسْلِيمٌ لِهَذَا الْمُزَاحِمِ.
فَالْعَقْلُ هُوَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى الْأَسْبَابِ، الدَّاعِي لَهُ إِلَيْهَا، الَّتِي إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست