responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 145
قَوْلُهُ: مُعَايَنَةُ أَزَلِيَّةِ الْحَقِّ؛ أَيْ مَتَى شَهِدَ قَلْبُهُ تَفَرُّدَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْأَزَلِيَّةِ، غَابَ بِهَا عَنِ الطَّلَبِ، لِتَيَقُّنِهِ فَرَاغَ الرَّبِّ تَعَالَى مِنَ الْمَقَادِيرِ، وَسَبْقَ الْأَزَلِ بِهَا، وَثُبُوتِ حُكْمِهَا هُنَاكَ. فَيَتَخَلَّصُ مِنَ الْمِحَنِ الَّتِي تُعْرَضُ لَهُ دُونَ الْمَقْصُودِ. وَيَتَخَلَّصُ أَيْضًا مِنْ تَعْرِيجِهِ وَالْتِفَاتِهِ، وَحَبْسِ مَطِيَّتِهِ عَلَى طُرُقِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَوَسَّلُ بِهَا إِلَى الْمَطَالِبِ.
وَهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ. فَإِنَّ مَدَارِجَ الْوَسَائِلِ قِسْمَانِ: وَسَائِلُ مُوصِلَةٌ إِلَى عَيْنِ الرِّضَا. فَالتَّعْرِيجُ عَلَى مَدَارِجِهَا - مَعْرِفَةً وَعَمَلًا وَحَالًا وَإِيثَارًا - هُوَ مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ. وَلَكِنْ لَا يَجْعَلُ تَعْرِيجَهُ كُلَّهُ عَلَى مَدَارِجِهَا. بِحَيْثُ يَنْسَى بِهَا الْغَايَةَ الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ إِلَيْهَا.
وَأَمَّا تَخَلُّصُهُ مِنْ تَكَالِيفِ الْحِمَايَاتِ فَهُوَ تَخَلُّصُهُ مِنْ طَلَبِ مَا حَمَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدَرًا. فَلَا يَتَكَلَّفُ طَلَبَهُ وَقَدْ حُمِي عَنْهُ.
وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنْ يَتَخَلَّصَ بِمُشَاهَدَةِ سَبْقِ الْأَزَلِيَّةِ مِنْ تَكَالِيفِ احْتِرَازَاتِهِ، وَشَدَّةِ احْتِمَائِهِ مِنَ الْمَكَارِهِ، لِعِلْمِهِ بِسَبْقِ الْأَزَلِ بِمَا كُتِبَ لَهُ مِنْهَا. فَلَا فَائِدَةَ فِي تَكَلُّفِ الِاحْتِمَاءِ. نَعَمْ، يَحْتَمِي مِمَّا نُهِيَ عَنْهُ، وَمَا لَا يَنْفَعُهُ فِي طَرِيقِهِ. وَلَا يُعِينُهُ عَلَى الْوُصُولِ.

[فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّسْلِيمِ]
[أَنْوَاعُ مُنَزَّلَةِ التَّسْلِيمِ]
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ التَّسْلِيمِ
وَمِنْ مَنَازِلِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ التَّسْلِيمِ
وَهِيَ نَوْعَانِ: تَسْلِيمٌ لِحُكْمِهِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ. وَتَسْلِيمٌ لِحُكْمِهِ الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ تَسْلِيمُ الْمُؤْمِنِينَ الْعَارِفِينَ. قَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: التَّحْكِيمُ، وَسِعَةُ الصَّدْرِ بِانْتِفَاءِ الْحَرَجِ، وَالتَّسْلِيمُ.
وَأَمَّا التَّسْلِيمُ لِلْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ: فَمَزَلَّةُ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةُ أَفْهَامٍ. حَيَّرَ الْأَنَامَ، وَأَوْقَعَ الْخِصَامَ. وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَبَيَّنَّا أَنَّ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 145
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست