responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 136
مَلِكَةُ عَزَّةٍ؛ أَيْ مِلْكَةُ امْتِنَاعٍ وَقُوَّةٍ وَقَهْرٍ، تَمْنَعُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي مُلْكِهِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ مُشَارِكٌ. فَهُوَ الْعَزِيزُ فِي مُلْكِهِ، الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي ذَرَّةٍ مِنْهُ. كَمَا هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِعِزَّتِهِ الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مُشَارِكٌ.
فَالْمُتَوَكِّلُ يَرَى أَنَّ لَهُ شَيْئًا قَدْ وَكَّلَ الْحَقَّ فِيهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ صَارَ وَكَيْلَهُ عَلَيْهِ. وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ؛ إِذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَمْرِ مَعَ اللَّهِ شَيْءٌ. فَلِهَذَا قَالَ: لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ مُشَارِكٌ. فَيَكِلُ شَرِكَتَهُ إِلَيْهِ. فَلِسَانُ الْحَالِ يَقُولُ لِمَنْ جَعَلَ الرَّبَّ تَعَالَى وَكِيلَهُ: فِي مَاذَا وَكَّلْتُ رَبَّكَ؟ أَفِيمَا هُوَ لَهُ وَحْدَهُ؟ أَوْ لَكَ وَحْدَكَ؟ أَوْ بَيْنَكُمَا؟ فَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مُمْتَنِعٌ بِتَفَرُّدِهِ بِالْمُلْكِ وَحْدَهُ. وَالتَّوْكِيلُ فِي الْأَوَّلِ مُمْتَنِعٌ، فَكَيْفَ تُوَكِّلُهُ فِيمَا لَيْسَ لَكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ؟ .
فَيُقَالُ: هَاهُنَا أَمْرَانِ: تَوَكُّلٌ، وَتَوْكِيلٌ. فَالتَّوَكُّلُ: مَحْضُ الِاعْتِمَادِ وَالثِّقَةِ وَالسُّكُونِ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ. وَعِلْمُ الْعَبْدُ بِتَفَرُّدِ الْحَقِّ تَعَالَى وَحْدَهُ بِمِلْكِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مُشَارِكٌ فِي ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِ الْكَوْنِ: مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ تَوَكُّلِهِ، وَأَعْظَمِ دَوَاعِيهِ.
فَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً. وَبَاشَرَ قَلْبَهُ حَالًا: لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ اعْتِمَادِ قَلْبِهِ عَلَى الْحَقِّ وَحْدَهُ، وَثِقَتِهِ بِهِ، وَسُكُونِهِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ، وَطُمَأْنِينَتِهِ بِهِ وَحْدَهُ، لِعِلْمِهِ أَنَّ حَاجَاتِهِ وَفَاقَاتِهِ وَضَرُورَاتِهِ، وَجَمِيعَ مَصَالِحِهِ كُلِّهَا: بِيَدِهِ وَحْدَهُ. لَا بِيَدِ غَيْرِهِ. فَأَيْنَ يَجِدُ قَلْبَهُ مَنَاصًا مِنَ التَّوَكُّلِ بَعْدَ هَذَا؟
فَعِلَّةُ التَّوَكُّلِ حِينَئِدٍ: الْتِفَاتُ قَلْبِهِ إِلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ شِرْكَةً فِي مُلْكِ الْحَقِّ. وَلَا يَمْلِكُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ. هَذِهِ عِلَّةُ تَوَكُّلِهِ. فَهُوَ يَعْمَلُ عَلَى تَخْلِيصِ تَوَكُّلِهِ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ.
نَعَمْ، وَمِنْ عِلَّةٍ أُخْرَى. وَهِيَ رُؤْيَةُ تَوَكُّلِهِ. فَإِنَّهُ الْتِفَاتٌ إِلَى عَوَالِمِ نَفْسِهِ.
وَعِلَّةٌ ثَالِثَةٌ: وَهِيَ صَرْفُهُ قُوَّةَ تَوَكُّلِهِ إِلَى شَيْءٍ غَيْرِهِ أَحَبِّ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ.
فَهَذِهِ الْعِلَلُ الثَّلَاثُ: هِيَ عِلَلُ التَّوْكِيلِ.
وَأَمَّا التَّوَكُّلُ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلَّا مُجَرَّدَ التَّفْوِيضِ. وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ. كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ» ، وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44]

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 136
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست