responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 130
فَيُقَالُ: إِذَا كَانَتِ الْأَسْبَابُ مَأْمُورًا بِهَا فَفِيهَا فَائِدَةٌ أَجَلُّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ. وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ مَقْصُودَةٌ قَصْدَ الْوَسَائِلِ. وَهِيَ الْقِيَامُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْأَمْرُ الَّذِي خُلِقَ لَهُ الْعَبْدُ، وَأُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَأُنْزِلَتْ لِأَجْلِهِ الْكُتُبُ. وَبِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ. وَلَهُ وُجِدَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ.
فَالْقِيَامُ بِالْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ. وَحَقُّ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ الَّذِي تَوَجَّهَتْ بِهِ نَحْوَهُ الْمَطَالِبُ. وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ التَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: التَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ، وَغَضُّ الْعَيْنِ عَنِ السَّبَبِ؛ اجْتِهَادًا لِتَصْحِيحِ التَّوَكُّلِ، وَقَمْعًا لِشَرَفِ النَّفْسِ، وَتَفَرُّغًا إِلَى حِفْظِ الْوَاجِبَاتِ.
قَوْلُهُ: مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ. أَيْ مِنَ الْخَلْقِ لَا مِنَ الْحَقِّ. فَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ وَأَنْفَعِهِ لِلْمُرِيدِ. فَإِنَّ الطَّلَبَ مِنَ الْخَلْقِ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورٌ، وَغَايَتُهُ: أَنْ يُبَاحَ لِلضَّرُورَةِ، كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ. وَكَذَلِكَ كَانَ شَيْخُنَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ وَالسُّؤَالُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي السُّؤَالِ: هُوَ ظُلْمٌ فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظُلْمٌ فِي حَقِّ الْخَلْقِ، وَظُلْمٌ فِي حَقِّ النَّفْسِ.
أَمَّا فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ فَلِمَا فِيهِ مِنَ الذُّلِّ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِرَاقَةِ مَاءِ الْوَجْهِ لِغَيْرِ خَالِقِهِ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْ سُؤَالِهِ بِسُؤَالِ الْمَخْلُوقِينَ، وَالتَّعَرُّضِ لِمَقْتِهِ إِذَا سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ يَوْمَهُ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ النَّاسِ فَبِمُنَازَعَتِهِمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِالسُّؤَالِ، وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْهُمْ. وَأَبْغَضُ مَا إِلَيْهِمْ مَنْ يَسْأَلُهُمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَحَبُّ مَا إِلَيْهِمْ مَنْ لَا يَسْأَلُهُمْ. فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْبُوبَاتُهُمْ، وَمَنْ سَأَلَكَ مَحْبُوبَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِكَ وَبُغْضِكَ.
وَأَمَّا ظُلْمُ السَّائِلِ نَفْسَهُ فَحَيْثُ امْتَهَنَهَا، وَأَقَامَهَا فِي مَقَامِ ذُلِّ السُّؤَالِ. وَرَضِيَ لَهَا بِذُلِّ الطَّلَبِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ لَعَلَّ السَّائِلَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَعْلَى قَدْرًا. وَتَرَكَ سُؤَالَ مِنْ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] . فَقَدْ أَقَامَ السَّائِلُ نَفْسَهُ مَقَامَ الذُّلِّ، وَأَهَانَهَا بِذَلِكَ. وَرَضِيَ أَنْ يَكُونَ شَحَّاذًا مِنْ شَحَّاذٍ مِثْلِهِ. فَإِنَّ مَنْ تَشْحَذُهُ فَهُوَ أَيْضًا شَحَّاذٌ مِثْلُكُ. وَاللَّهُ وَحْدَهُ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست