responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 126
فَأَمَّا وَكَالَةُ الرَّبِّ عَبْدَهُ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام: 89] قَالَ قَتَادَةُ: وَكَّلْنَا بِهَا الْأَنْبِيَاءَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ - يَعْنِي قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ - وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: مَعْنَاهُ: إِنْ يَكْفُرْ بِهَا أَهْلُ الْأَرْضِ، فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا أَهْلَ السَّمَاءِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: هُمُ الْأَنْصَارُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ قَامَ بِهَا إِيمَانًا، وَدَعْوَةً وَجِهَادًا وَنُصْرَةً. فَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ وَكَّلَهُمُ اللَّهُ بِهَا.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَحَدًا وَكِيلُ اللَّهِ؟
قُلْتُ: لَا. فَإِنَّ الْوَكِيلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ عَنْ مُوَكِّلِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ. وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا نَائِبَ لَهُ، وَلَا يَخْلُفُهُ أَحَدٌ، بَلْ هُوَ الَّذِي يَخْلُفُ عَبْدَهُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ» . عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُطْلَقَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَا وَكَّلَهُ فِيهِ، وَرِعَايَتِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ.
وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَهُوَ تَفْوِيضُهُ إِلَيْهِ، وَعَزْلُ نَفْسِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ، وَإِثْبَاتُهُ لِأَهْلِهِ وَوَلِيِّهِ. وَلِهَذَا قِيلَ فِي التَّوَكُّلِ: إِنَّهُ عَزْلُ النَّفْسِ عَنِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَقِيَامُهَا بِالْعُبُودِيَّةِ. وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِ الرَّبِّ وَكِيلَ عَبْدِهِ؛ أَيْ كَافِيَهُ، وَالْقَائِمُ بِأُمُورِهِ وَمَصَالِحِهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ فِي التَّصَرُّفِ. فَوِكَالَةُ الرَّبِّ عَبْدَهُ أَمْرٌ وَتَعَبُّدٌ وَإِحْسَانٌ لَهُ، وَخِلْعَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ، لَا عَنْ حَاجَةٍ مِنْهُ، وَافْتِقَارٍ إِلَيْهِ كَمُوَالَاتِهِ. وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْعَبْدِ رَبَّهُ فَتَسْلِيمٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ، وَقِيَامٌ بِعُبُودِيَّتِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَهُوَ مِنْ أَصْعَبِ مَنَازِلِ الْعَامَّةِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَمْ يَخْرُجُوا عَنْ نُفُوسِهِمْ وَمَأْلُوفَاتِهِمْ. وَلَمْ يُشَاهِدُوا الْحَقِيقَةَ الَّتِي شَهِدَهَا الْخَاصَّةُ. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ التَّوْكِيلَ، فَهُمْ فِي رِقِّ الْأَسْبَابِ. فَيَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ عَنْهَا، وَخُلُوِّ الْقَلْبِ مِنْهَا، وَالِاشْتِغَالِ بِمُلَاحَظَةِ الْمُسَبِّبِ وَحْدَهُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 126
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست