responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 120
وَقَضَى بِدُخُولِ الْجَنَّةِ إِذَا أَسْلَمَ، وَأَتَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. فَإِذَا تَرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَعْمَلِ الصَّالِحَاتِ لَمْ يَدْخُلْهَا أَبَدًا.
وَقَضَى بِإِنْضَاجِ الطَّعَامِ بِإِيقَادِ النَّارِ تَحْتَهُ.
وَقَضَى بِطُلُوعِ الْحُبُوبِ الَّتِي تُزْرَعُ بِشَقِّ الْأَرْضِ، وَإِلْقَاءِ الْبَذْرِ فِيهَا. فَمَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ إِلَّا الْخَيْبَةُ.
فَوِزَانُ مَا قَالَهُ مُنْكِرُو الْأَسْبَابِ: أَنْ يَتْرُكَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ السَّبَبَ الْمُوصِّلَ. وَيَقُولُ: إِنْ كَانَ قُضِيَ لِي وَسَبَقَ فِي الْأَزَلِ حُصُولُ الْوَلَدِ، وَالشِّبَعُ، وَالرِّيُّ، وَالْحَجُّ وَنَحْوُهَا. فَلَابُدَّ أَنْ يَصِلَ إِلَيَّ، تَحَرَّكْتُ أَوْ سَكَنْتُ، وَتَزَوَّجْتُ أَوْ تَرَكْتُ، سَافَرْتُ أَوْ قَعَدْتُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُضِيَ لِي لَمْ يَحْصُلْ لِي أَيْضًا، فَعَلْتُ أَوْ تَرَكْتُ.
فَهَلْ يَعُدُّ أَحَدٌ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْعُقَلَاءِ؟ وَهَلِ الْبَهَائِمُ إِلَّا أَفْقَهُ مِنْهُ؟ فَإِنَّ الْبَهِيمَةَ تَسْعَى فِي السَّبَبِ بِالْهِدَايَةِ الْعَامَّةِ.
فَالتَّوَكُّلُ مِنْ أَعْظَمَ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْمَطْلُوبُ، وَيَنْدَفِعُ بِهَا الْمَكْرُوهُ. فَمَنْ أَنْكَرَ الْأَسْبَابَ لَمْ يَسْتَقِمْ مِنْهُ التَّوَكُّلُ. وَلَكِنَّ مِنْ تَمَامِ التَّوَكُّلِ عَدَمَ الرُّكُونِ إِلَى الْأَسْبَابِ، وَقَطْعَ عَلَاقَةِ الْقَلْبِ بِهَا؛ فَيَكُونُ حَالُ قَلْبِهِ قِيَامَهُ بِاللَّهِ لَا بِهَا. وَحَالُ بَدَنِهِ قِيَامَهُ بِهَا.
فَالْأَسْبَابُ مَحَلُّ حِكْمَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَدِينِهِ. وَالتَّوَكُّلُ مُتَعَلِّقٌ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. فَلَا تَقُومُ عُبُودِيَّةُ الْأَسْبَابِ إِلَّا عَلَى سَاقِ التَّوَكُّلِ. وَلَا يَقُومُ سَاقُ التَّوَكُّلِ إِلَّا عَلَى قَدَمِ الْعُبُودِيَّةِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي مَقَامِ تَوْحِيدِ التَّوَكُّلِ]
فَصْلٌ
الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ: رُسُوخُ الْقَلْبِ فِي مَقَامِ تَوْحِيدِ التَّوَكُّلِ.
فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ تَوَكُّلُ الْعَبْدِ حَتَّى يَصِحَّ لَهُ تَوْحِيدُهُ. بَلْ حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ تَوْحِيدُ الْقَلْبِ. فَمَا دَامَتْ فِيهِ عَلَائِقُ الشِّرْكِ، فَتَوَكُّلُهُ مَعْلُولٌ مَدْخُولٌ. وَعَلَى قَدْرِ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ تَكُونُ صِحَّةُ التَّوَكُّلِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مَتَى الْتَفَتَ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ أَخَذَ ذَلِكَ الِالْتِفَاتُ شُعْبَةً مِنْ شُعَبِ قَلْبِهِ. فَنَقَصَ مِنْ تَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ بِقَدْرِ ذَهَابِ تِلْكَ الشُّعْبَةِ وَمِنْ هَاهُنَا ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوَكُّلَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِرَفْضِ الْأَسْبَابِ. وَهَذَا حَقٌّ. لَكِنَّ رَفْضَهَا عَنِ الْقَلْبِ لَا عَنِ الْجَوَارِحِ. فَالتَّوَكُّلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِرَفْضِ الْأَسْبَابِ عَنِ الْقَلْبِ، وَتَعَلُّقِ الْجَوَارِحِ بِهَا. فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا مِنْهَا مُتَّصِلًا بِهَا. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 120
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست