responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 110
وَصَاحِبُ فَرْقٍ وَجَمْعٍ. يَشْهَدُ الْفَرْقَ فِي الْجَمْعِ، وَالْكَثْرَةَ فِي الْوَحْدَةِ. فَهُوَ الْمُسْتَقِيمُ الْمُوَحِّدُ الْفَارِقُ. وَهَذَا صَاحِبُ الْحَقِيقَةِ الثَّالِثَةِ، الْجَامِعَةُ لِلْحَقِيقَتَيْنِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ. فَشُهُودُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الْجَامِعَةِ: هُوَ عَيْنُ الِاسْتِقَامَةِ.
وَأَمَّا شُهُودُ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ، أَوِ الْأَزَلِيَّةِ، وَالْفَنَاءُ فِيهَا: فَأَمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكُفَّارِ. فَإِنَّ الْكَافِرَ مُقِرٌّ بِقَدَرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ، وَأَزَلِيَّتِهِ وَأَبَدِيَّتِهِ. فَإِذَا اسْتَغْرَقَ فِي هَذَا الشُّهُودِ وَفَنِيَ بِهِ عَنْ سِوَاهُ: فَقَدْ شَهِدَ الْحَقِيقَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا كَسْبًا. أَيْ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْحَقِيقَةِ أَنَّ شُهُودَهَا لَمْ يَكُنْ بِالْكَسْبِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ مِنْ أَعْمَالِ النَّفْسِ. فَالْحَقِيقَةُ لَا تَبْدُو مَعَ بَقَاءِ النَّفْسِ؛ إِذِ الْحَقِيقَةُ فَرْدَانِيَّةٌ أَحَدِيَّةٌ نُورَانِيَّةٌ. فَلَا بُدَّ مِنْ زَوَالِ ظُلْمَةِ النَّفْسِ، وَرُؤْيَةِ كَسْبِهَا، وَإِلَّا لَمْ يَشْهَدِ الْحَقِيقَةَ.
وَأَمَّا رَفْضُ الدَّعْوَى لَا عِلْمًا، فَالدَّعْوَى نِسْبَةُ الْحَالِ وَغَيْرِهِ إِلَى نَفْسِكَ وَإِنِّيَتِكَ. فَالِاسْتِقَامَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِتَرْكِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا. فَإِنَّ الدَّعْوَى الصَّادِقَةَ تُطْفِئُ نُورَ الْمَعْرِفَةِ. فَكَيْفَ بِالْكَاذِبَةِ؟
وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا عِلْمًا؛ أَيْ لَا يَكُونُ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدَّعْوَى مُجَرَّدَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ الدَّعْوَى، وَمُنَافَاتِهَا لِلِاسْتِقَامَةِ. فَإِذَا تَرَكَهَا يَكُونُ تَرْكُهَا لِكَوْنِ الْعِلْمِ قَدْ نَهَى عَنْهَا. فَيَكُونُ تَارِكًا لَهَا ظَاهِرًا لَا حَقِيقَةً، أَوْ تَارِكًا لَهَا لَفْظًا، قَائِمًا بِهَا حَالًا؛ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُ قَدْ قَامَ بِحَقِّ الْعِلْمِ فِي تَرْكِهَا. فَيَتْرُكُهَا تَوَاضُعًا، بَلْ يَتْرُكُهَا حَالًا وَحَقِيقَةً. كَمَا يَتْرُكُ مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا تَضُرُّهُ مَحَبَّتُهُ حُبَّهُ حَالًا وَحَقِيقَةً. وَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ - كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِخَيْرِ خَلْقِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]- تَرَكَ الدَّعْوَى شُهُودًا وَحَقِيقَةً وَحَالًا.
وَأَمَّا الْبَقَاءُ مَعَ نُورِ الْيَقَظَةِ فَهُوَ الدَّوَامُ فِي الْيَقَظَةِ، وَأَنْ لَا يُطْفِئَ نُورَهَا بِظُلْمَةِ الْغَفْلَةِ. بَلْ يَسْتَدِيمُ يَقَظَتَهُ. وَيَرَى أَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَالْمَجْذُوبِ الْمَأْخُوذِ عَنْ نَفْسِهِ، حِفْظًا مِنَ اللَّهِ لَهُ. لَا أَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِتَحَفُّظِهِ وَاحْتِرَازِهِ.
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: يَقَظَةٌ، وَاسْتِدَامَةٌ لَهَا، وَشُهُودٌ أَنَّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ سُبْحَانَهُ لَا بِكَ. فَلَيْسَ سَبَبُ بَقَائِهِ فِي نُورِ الْيَقَظَةِ بِحِفْظِهِ. بَلْ بِحِفْظِ اللَّهِ لَهُ.
وَكَأَنَّ الشَّيْخَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ لَا تَحْصُلُ بِكَسْبٍ. وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَوْهِبَةٍ مِنَ اللَّهِ. فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُولَى " الِاسْتِقَامَةَ عَلَى الِاجْتِهَادِ " وَفِي الثَّانِيَةِ " اسْتِقَامَةُ

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 110
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست