responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 441
فَالتَّبْصِرَةُ آلَةُ الْبَصَرِ، وَالتَّذْكِرَةُ آلَةُ الذِّكْرِ، وَقَرَنَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُمَا لِأَهْلِ الْإِنَابَةِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَنَابَ إِلَى اللَّهِ أَبْصَرَ مَوَاقِعَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرَ، فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى مَا هِيَ آيَاتٌ لَهُ، فَزَالَ عَنْهُ الْإِعْرَاضُ بِالْإِنَابَةِ، وَالْعَمَى بِالتَّبْصِرَةِ، وَالْغَفْلَةُ بِالتَّذْكِرَةِ، لِأَنَّ التَّبْصِرَةَ تُوجِبُ لَهُ حُصُولَ صُورَةِ الْمَدْلُولِ فِي الْقَلْبِ بَعْدَ غَفْلَتِهِ عَنْهَا، فَتَرْتِيبُ الْمَنَازِلِ الثَّلَاثَةِ أَحْسَنُ تَرْتِيبٍ، ثُمَّ إِنَّ كُلًّا مِنْهَا يَمُدُّ صَاحِبَهُ وَيُقَوِّيهِ وَيُثَمِّرُهُ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَاتِهِ الْمَشْهُودَةِ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق: 36] .
وَالنَّاسُ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ قَلْبُهُ مَيِّتٌ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا قَلْبَ لَهُ، فَهَذَا لَيْسَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذِكْرَى فِي حَقِّهِ.
الثَّانِي: رَجُلٌ لَهُ قَلْبٌ حَيٌّ مُسْتَعِدٌّ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِلْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ الَّتِي يُخْبِرُ بِهَا اللَّهُ عَنِ الْآيَاتِ الْمَشْهُودَةِ إِمَّا لِعَدَمِ وُرُودِهَا، أَوْ لِوُصُولِهَا إِلَيْهِ وَلَكِنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ عَنْهَا بِغَيْرِهَا، فَهُوَ غَائِبُ الْقَلْبِ، لَيْسَ حَاضِرًا، فَهَذَا أَيْضًا لَا تَحْصُلُ لَهُ الذِّكْرَى مَعَ اسْتِعْدَادِهِ وَوُجُودِ قَلْبِهِ.
الثَّالِثُ: رَجُلٌ حَيُّ الْقَلْبِ مُسْتَعِدٌّ، تُلِيَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ، فَأَصْغَى بِسَمْعِهِ، وَأَلْقَى السَّمْعَ وَأَحْضَرَ قَلْبَهُ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ بِغَيْرِ فَهْمِ مَا يَسْمَعُهُ، فَهُوَ شَاهِدُ الْقَلْبِ، مُلْقٍ السَّمْعَ، فَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْآيَاتِ الْمَتْلُوَّةِ وَالْمَشْهُودَةِ.
فَالْأَوَّلُ: بِمَنْزِلَةِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِرُ.
وَالثَّانِي: بِمَنْزِلَةِ الْبَصِيرِ الطَّامِحِ بِبَصَرِهِ إِلَى غَيْرِ جِهَةِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ، فَكِلَاهُمَا لَا يَرَاهُ.
وَالثَّالِثُ: بِمَنْزِلَةِ الْبَصِيرِ الَّذِي قَدْ حَدَّقَ إِلَى جِهَةِ الْمَنْظُورِ، وَأَتْبَعَهُ بَصَرَهُ، وَقَابَلَهُ عَلَى تَوَسُّطٍ مِنَ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَرَاهُ.
فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ كَلَامَهُ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَوْقِعُ " أَوْ " مِنْ هَذَا النَّظْمِ عَلَى مَا قَرَّرْتَ؟
قِيلَ: فِيهَا سِرٌّ لَطِيفٌ، وَلَسْنَا نَقُولُ: إِنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، كَمَا يَقُولُهُ ظَاهِرِيَّةُ النُّحَاةِ.

نام کتاب : مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 441
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست