نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 304
والخبر عنها يسمى صدقا وقد تكون غير مطابقة وهي الباطل والخبر عنها يسمى كذبا والإرادات تنقسم إلى ما تكون نافعة له متضمنة لمصلحته ومرادها هو الخير والحسن وإلى ما هو ضارة له مخالفة لمصلحته ومرادها هو الشر والقبح وإذا كان الإنسان تارة يكون معتقدا للحق مريدا للخير وتارة يكون معتقدا للباطل مريدا للشر فلا يخلو إما أن تكون نسبة نفسه الباطنة إلى النوعين نسبة واحدة بحيث لا يكون فيها مرجحا لأحدهما على الآخر أو تكون نفسه مرجحة لأحد الأمرين على الآخر فإن كان الأول لزم أن لا يوجد أحد النوعين إلا بمرجح منفصل عنه فإذا قدر رجحان أحدهما ترجح هذا والآخر ترجح هذا فإما أن يتكافأ المرجحان أو يترجح أحدهما فإن تكافأ لزم أن لا يحصل واحد منهما وهو خلاف المعلوم بالضرورة فإنا نعلم أنه إذا عرض على كل أحد أن يعتقد الحق ويصدق وأن يريد ما ينفعه وعرض عليه أن يعتقد الباطل ويكذب ويريد ما يضره مال بفطرته إلى الأولى ونفر عن الثاني فعلم أن فطرة الإنسان قوة تقتضي اعتقاد الحق وإرادة الخير وحينئذ الإقرار بوجود فاطره وخالقه ومعرفته ومحبته والإيمان به وتعظيمه والإخلاص له إما أن يكون من النوع الأول أو الثاني وكونه من الثاني معلوم الفساد بالضرورة فتعين أن يكون من الأول وحينئذ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي محبته ومعرفته والإيمان به والتوسل إليه بمحابه، الوجه الثاني أن عبادته وحده بما يحبه إما أن يكون أكمل للناس علما وقصدا أو الإشراك به أكمل والثاني معلوم الفساد بالضرورة فتعين الأول وهو أن يكون في الفطرة مقتضى يقتضي توحيده وتألهه وتعظيمه، الوجه الثالث أن الحنيفية التي هي دين الله ولا دين له غيرها إما أن تكون مع غيرها من الأديان متماثلين أو الحنيفية أرجح أو تكون مرجوحة والأول والثالث باطلان قطعا فوجب أن يكون في الفطرة مرجح يرجح الحنيفية وامتنع أن يكون نسبتها ونسبة غيرها من الأديان إلى الفطرة سواء، الوجه الرابع أنه إذا ثبت أن في الفطرة قوة تقتضي طلب معرفة الحق وإيثاره على ما سواه وأن ذلك حاصل مركوز فيها من غير تعلم الأبوين ولا غيرهما بل لو فرض أن الإنسان تربى وحده ثم عقل وميز لوجد نفسه مائلة إلى ذلك نافرة عن ضده كما يجد الصبي عند أول تمييزه يعلم أن الحادث لا بد له من محدث فهو يلتفت إذا ضرب من خلفه لعلمه أن تلك الضربة لا بد لها من ضارب فإذا شعر به بكى حتى يقتص له منه فيسكن فقد ركز في فطرته الإقرار بالصانع وهو التوحيد ومحبة القصاص وهو العدل وإذا ثبت ذلك ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته سبحانه ومحبته وإجلاله وتعظيمه والخضوع له من غير تعليم ولا دعاء إلى ذلك وإن لم يكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك بل يحتاج كثير منهم إلى سبب معين للفطرة مقولها وقد بينا أن هذا السبب لا يحدث في الفطرة ما لم يكن فيها بل يعينها ويذكرها ويقويها فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين يدعون العباد إلى موجب هذه الفطرة فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة عن مقتضاها استجابت لدعوة الرسل ولا بد بما فيها من المقتضى لذلك كمن دعا جائعا أو ظمآن إلى شراب وطعام لذيذ نافع لا تبعة فيه عليه ولا يكلفه ثمنه فإنه ما لم يحصل هناك مانع فإنه يجيبه ولا بد، الوجه الخامس إنا نعلم بالضرورة أن الطفل حين ولادته ليس له معرفة بهذا الأمر ولا عنده إرادة له ويعلم أنه كلما حصل فيه قوة العلم والإرادة
نام کتاب : شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 304