responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 8
وَيَنْهَى عَنِ التُّقَى وَالْهُدَى وَالْعِفَّةِ وَالصَّبْرِ، وَأَخْلَاقِ الْإِيمَانِ كُلِّهَا، فَجَاهِدْهُ بِتَكْذِيبِ وَعْدِهِ، وَمَعْصِيَةِ أَمْرِهِ، فَيَنْشَأُ لَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِهَادَيْنِ قُوَّةٌ وَسُلْطَانٌ، وَعُدَّةٌ يُجَاهِدُ بِهَا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي الْخَارِجِ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَمَالِهِ؛ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ السَّلَفِ فِي حَقِّ الْجِهَادِ:
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ فِيهِ، وَأَلَّا يَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. وَقَالَ مقاتل: اعْمَلُوا لِلَّهِ حَقَّ عَمَلِهِ، وَاعْبُدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: هُوَ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ وَالْهَوَى. وَلَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَتَيْنِ مَنْسُوخَتَانِ، لِظَنِّهِ أَنَّهُمَا تَضَمَّنَتَا الْأَمْرَ بِمَا لَا يُطَاقُ، وَحَقُّ تُقَاتِهِ وَحَقُّ جِهَادِهِ: هُوَ مَا يُطِيقُهُ كُلُّ عَبْدٍ فِي نَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ. فَحَقُّ التَّقْوَى وَحَقُّ الْجِهَادِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَادِرِ الْمُتَمَكِّنِ الْعَالِمِ شَيْءٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَاجِزِ الْجَاهِلِ الضَّعِيفِ شَيْءٌ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ عَقَّبَ الْأَمْرَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] [الْحَجِّ: 78] وَالْحَرَجُ: الضِّيقُ، بَلْ جَعَلَهُ وَاسِعًا يَسَعُ كُلَّ أَحَدٍ، كَمَا جَعَلَ رِزْقَهُ يَسَعُ كُلَّ حَيٍّ، وَكَلَّفَ الْعَبْدَ بِمَا يَسَعُهُ الْعَبْدُ، وَرَزَقَ الْعَبْدَ مَا يَسَعُ الْعَبْدَ، فَهُوَ يَسَعُ تَكْلِيفَهُ وَيَسَعُهُ رِزْقُهُ، وَمَا جَعَلَ عَلَى عَبْدِهِ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ بِوَجْهٍ مَا، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» ) أَيْ: بِالْمِلَّةِ، فَهِيَ حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوْحِيدِ، سَمْحَةٌ فِي الْعَمَلِ.
وَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ غَايَةَ التَّوْسِعَةِ فِي دِينِهِ وَرِزْقِهِ وَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَبَسَطَ عَلَيْهِمُ التَّوْبَةَ مَا دَامَتِ الرُّوحُ فِي الْجَسَدِ، وَفَتَحَ لَهُمْ بَابًا لَهَا لَا يُغْلِقُهُ عَنْهُمْ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَجَعَلَ لِكُلِّ سَيِّئَةٍ كَفَّارَةً تُكَفِّرُهَا مِنْ تَوْبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مُصِيبَةٍ مُكَفِّرَةٍ، وَجَعَلَ بِكُلِّ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ عِوَضًا مِنَ الْحَلَالِ أَنْفَعَ لَهُمْ مِنْهُ وَأَطْيَبَ وَأَلَذَّ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ لِيَسْتَغْنِيَ الْعَبْدُ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست