responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 65
{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} [الصف: 13] [الصَّفِّ: 13] أَيْ: وَلَكُمْ خَصْلَةٌ أُخْرَى تُحِبُّونَهَا فِي الْجِهَادِ، وَهِيَ: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف: 13] وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ: {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] [التَّوْبَةِ: 111] وَأَعَاضَهُمْ عَلَيْهَا الْجَنَّةَ، وَأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَالْوَعْدَ قَدْ أَوْدَعَهُ أَفْضَلَ كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ، وَهِيَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِإِعْلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا أَحَدَ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِهِمُ الَّذِي عَاقَدُوهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
فَلْيَتَأَمَّلِ الْعَاقِدُ مَعَ رَبِّهِ عَقْدَ هَذَا التَّبَايُعِ، مَا أَعْظَمَ خَطَرَهُ وَأَجَلَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَالثَّمَنُ جَنَّاتُ النَّعِيمِ وَالْفَوْزُ بِرِضَاهُ، وَالتَّمَتُّعُ بِرُؤْيَتِهِ هُنَاكَ. وَالَّذِي جَرَى عَلَى يَدِهِ هَذَا الْعَقْدُ أَشْرَفُ رُسُلِهِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ، وَإِنَّ سِلْعَةً هَذَا شَأْنُهَا لَقَدْ هُيِّئَتْ لِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَخَطْبٍ جَسِيمٍ:
قَدْ هَيَّئُوكَ لِأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ ... فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الْهَمَلِ
مَهْرُ الْمَحَبَّةِ وَالْجَنَّةِ بَذْلُ النَّفْسِ وَالْمَالِ لِمَالِكِهِمَا الَّذِي اشْتَرَاهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَمَا لِلْجَبَانِ الْمُعْرِضِ الْمُفْلِسِ وَسَوْمِ هِذِهِ السِّلْعَةِ، بِاللَّهِ مَا هُزِلَتْ فَيَسْتَامَهَا الْمُفْلِسُونَ، وَلَا كَسَدَتْ فَيَبِيعَهَا بِالنَّسِيئَةِ الْمُعْسِرُونَ، لَقَدْ أُقِيمَتْ لِلْعَرْضِ فِي سُوقِ مَنْ يُرِيدُ، فَلَمْ يَرْضَ رَبُّهَا لَهَا بِثَمَنٍ دُونَ بَذْلِ النُّفُوسِ، فَتَأَخَّرَ الْبَطَّالُونَ، وَقَامَ الْمُحِبُّونَ يَنْتَظِرُونَ أَيُّهُمْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُهُ الثَّمَنَ، فَدَارَتِ السِّلْعَةُ بَيْنَهُمْ وَوَقَعَتْ فِي يَدِ {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] [الْمَائِدَةِ: 54] .
لَمَّا كَثُرَ الْمُدَّعُونَ لِلْمَحَبَّةِ طُولِبُوا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى، فَلَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى الْخَلِيُّ حِرْفَةَ الشَّجِيِّ، فَتَنَوَّعَ الْمُدَّعُونَ فِي الشُّهُودِ، فَقِيلَ: لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] [آلِ عِمْرَانَ: 31] فَتَأَخَّرَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، وَثَبَتَ أَتْبَاعُ الرَّسُولِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 65
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست