responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 533
وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْجَبْلِ لَا الْجَبْرِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَجْبِلُ عَبْدَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ، كَمَا جَبَلَ الأشج عَلَى الْحِلْمِ وَالْأَنَاةِ، وَهُمَا فِعْلَانِ نَاشِئَانِ عَنْ خُلُقَيْنِ فِي النَّفْسِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي جَبَلَ الْعَبْدَ عَلَى أَخْلَاقِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ: نَقُولُ ( «إِنَّ اللَّهَ جَبَلَ الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَا نَقُولُ جَبَرَهُمْ عَلَيْهَا» )
وَهَذَا مِنْ كَمَالِ عِلْمِ الْأَئِمَّةِ، وَدَقِيقِ نَظَرِهِمْ، فَإِنَّ الْجَبْرَ أَنْ يُحْمَلَ الْعَبْدُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ، كَجَبْرِ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَجَبْرِ الْحَاكِمِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ عَلَى أَدَائِهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَقْدَرُ مِنْ أَنْ يَجْبُرَ عَبْدَهُ بِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَكِنَّهُ يَجْبُلُهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ الرَّبُّ بِإِرَادَةِ عَبْدِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَهَذَا لَوْنٌ، وَالْجَبْرُ لَوْنٌ.
وَفِيهَا: أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالضَّالَّةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا كَالْإِبِلِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُجَوِّزْ للجارود رُكُوبَ الْإِبِلِ الضَّالَّةِ، وَقَالَ: ( «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ» ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِتَرْكِهَا، وَأَنْ لَا يَلْتَقِطَهَا حِفْظًا عَلَى رَبِّهَا حَتَّى يَجِدَهَا إِذَا طَلَبَهَا، فَلَوْ جَوَّزَ لَهُ رُكُوبَهَا وَالِانْتِفَاعَ بِهَا، لَأَفْضَى إِلَى أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَيْهَا رَبُّهَا، وَأَيْضًا تَطْمَعُ فِيهَا النُّفُوسُ وَتَتَمَلَّكُهَا، فَمَنَعَ الشَّارِعُ مِنْ ذَلِكَ.

[فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ]
[قُدُومِ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ]
فَصْلٌ فِي قُدُومِ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ مسيلمة الكذاب، وَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ، فَأَتَوْا بمسيلمة إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْتَرُ بِالثِّيَابِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي يَدِهِ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثِّيَابِ كَلَّمَهُ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ الَّذِي فِي يَدِي مَا أَعْطَيْتُكَ» ) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ لِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ: إِنَّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا، زَعَمَ أَنَّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلَّفُوا مسيلمة فِي رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا لَهُ مَكَانَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا قَدْ خَلَّفْنَا صَاحِبًا

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 533
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست