responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 384
وَغَيْرِهَا، وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَهَا كَمَا يَتَوَارَثُونَ الْمَنْقُولَ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عقيل مِنْ مَنْزِلٍ» ) وَكَانَ عقيل هُوَ وَرِثَ دُورَ أبي طالب، فَإِنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَلَمْ يَرِثْهُ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ بَيْنَهُمَا، فَاسْتَوْلَى عقيل عَلَى الدُّورِ. وَلَمْ يَزَالُوا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَبَعْدَهَا، بَلْ قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَبَعْدَهُ، مَنْ مَاتَ وَرِثَتْهُ دَارُهُ إِلَى الْآنَ، وَقَدْ بَاعَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ دَارًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَاتَّخَذَهَا سِجْنًا، وَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ وَالْمِيرَاثُ فَالْإِجَارَةُ أَجْوَزُ وَأَجْوَزُ، فَهَذَا مَوْقِفُ أَقْدَامِ الْفَرِيقَيْنِ كَمَا تَرَى، وَحُجَجُهُمْ فِي الْقُوَّةِ وَالظُّهُورِ لَا تُدْفَعُ، وَحُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ لَا يُبْطِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا كُلِّهَا، وَالْوَاجِبُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ أَيْنَ كَانَ.
فَالصَّوَابُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِ الْأَدِلَّةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَأَنَّ الدُّورَ تُمْلَكُ، وَتُوهَبُ، وَتُوَرَّثُ وَتُبَاعُ، وَيَكُونُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِي الْبِنَاءِ لَا فِي الْأَرْضِ وَالْعَرْصَةِ، فَلَوْ زَالَ بِنَاؤُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَرْضَ، وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَهَا وَيُعِيدَهَا كَمَا كَانَتْ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا يَسْكُنُهَا، وَيُسْكِنُ فِيهَا مَنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَى مَنْفَعَةِ السُّكْنَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَدَّمَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ وَيَخْتَصَّ بِهَا لِسَبْقِهِ وَحَاجَتِهِ، فَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ عَلَيْهَا، كَالْجُلُوسِ فِي الرِّحَابِ وَالطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَالْإِقَامَةِ عَلَى الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ الَّتِي مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَ يَنْتَفِعُ، فَإِذَا اسْتَغْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعَاوِضَ، وَقَدْ صَرَّحَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَنَقْلَ الْمِلْكِ فِي رِبَاعِهَا إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْبِنَاءِ لَا عَلَى الْأَرْضِ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُ أبي حنيفة.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ مَنَعْتُمُ الْإِجَارَةَ، وَجَوَّزْتُمُ الْبَيْعَ، فَهَلْ لِهَذَا نَظِيرٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ أَوْسَعُ مِنَ الْبَيْعِ، فَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ، وَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ، كَالْوَقْفِ وَالْحُرِّ، فَأَمَّا الْعَكْسُ فَلَا عَهْدَ لَنَا بِهِ؟ قِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْآخَرِ فِي جَوَازِهِ وَامْتِنَاعِهِ، وَمَوْرِدُهُمَا مُخْتَلِفٌ، وَأَحْكَامُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنَّمَا جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ الْبَائِعُ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست