responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 375
يُرِيدُ أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالشِّرْكَ رَأْسُ الْمُوجِبَاتِ وَأَصْلُهَا، فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ السُّمِّ الْقَاتِلِ قَطْعًا، وَالتِّرْيَاقِ الْمُنَجِّي قَطْعًا.
وَكَمَا أَنَّ الْبَدَنَ قَدْ تَعْرِضُ لَهُ أَسْبَابٌ رَدِيئَةٌ لَازِمَةٌ تُوهِنُ قُوَّتَهُ وَتُضْعِفُهَا، فَلَا يَنْتَفِعُ مَعَهَا بِالْأَسْبَابِ الصَّالِحَةِ وَالْأَغْذِيَةِ النَّافِعَةِ، بَلْ تُحِيلُهَا تِلْكَ الْمَوَادُّ الْفَاسِدَةُ إِلَى طَبْعِهَا وَقُوَّتِهَا، فَلَا يَزْدَادُ بِهَا إِلَّا مَرَضًا، وَقَدْ تَقُومُ بِهِ مَوَادٌّ صَالِحَةٌ وَأَسْبَابٌ مُوَافِقَةٌ تُوجِبُ قُوَّتَهُ وَتُمَكُّنَهُ مِنَ الصِّحَّةِ وَأَسْبَابِهَا، فَلَا تَكَادُ تَضُرُّهُ الْأَسْبَابُ الْفَاسِدَةُ، بَلْ تُحِيلُهَا تِلْكَ الْمَوَادُّ الْفَاضِلَةُ إِلَى طَبْعِهَا، فَهَكَذَا مَوَادُّ صِحَّةِ الْقَلْبِ وَفَسَادِهِ.
فَتَأَمَّلْ قُوَّةَ إِيمَانِ حاطب الَّتِي حَمَلَتْهُ عَلَى شُهُودِ بَدْرٍ، وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِيثَارِهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَقَرَابَتِهِ وَهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْعَدُوِّ وَفِي بَلَدِهِمْ، وَلَمْ يَثْنِ ذَلِكَ عِنَانَ عَزْمِهِ، وَلَا فَلَّ مِنْ حَدِّ إِيمَانِهِ وَمُوَاجَهَتِهِ لِلْقِتَالِ لِمَنْ أَهْلُهُ وَعَشِيرَتُهُ وَأَقَارِبُهُ عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَ مَرَضُ الْجَسِّ بَرَزَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْقُوَّةُ، وَكَانَ الْبُحْرَانُ صَالِحًا فَانْدَفَعَ الْمَرَضُ، وَقَامَ الْمَرِيضُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ قَلَبَةٌ، وَلَمَّا رَأَى الطَّبِيبُ قُوَّةَ إِيمَانِهِ قدِ اسْتَعْلَتْ عَلَى مَرَضِ جَسِّهِ وَقَهَرَتْهُ، قَالَ لِمَنْ أَرَادَ فَصْدَهُ: لَا يَحْتَاجُ هَذَا الْعَارِضُ إِلَى فِصَادٍ، «وَمَا يُدْريِكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» " وَعَكْسُ هَذَا ذو الخويصرة التميمي وَأَضْرَابُهُ مِنَ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ بَلَغَ اجْتِهَادُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إِلَى حَدٍّ يَحْقِرُ أَحَدُ الصَّحَابَةِ عَمَلَهُ مَعَهُ كَيْفَ قَالَ فِيهِمْ: " «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ» " وَقَالَ: " «اقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ» ". وَقَالَ: " «شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ» " فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ مَعَ تِلْكَ الْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ الْمُهْلِكَةِ وَاسْتَحَالَتْ فَاسِدَةً.

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 375
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست