responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 346
عَلَيْنَا، يَنْصَرِفُ إِلَى إِحْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحْرِيمِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَالصَّحَابَةُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ كَانُوا مُضْطَرِّينَ، وَلِهَذَا لَمَّا هَمُّوا بِأَكْلِهَا قَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، وَقَالُوا: نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ مُضْطَرُّونَ، فَأَكَلُوا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُسْتَغْنِينَ عَنْهَا لَمَا أَكَلُوا مِنْهَا.
قِيلَ: لَا رَيْبَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ وَلَكِنْ هَيَّأَ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ أَطْيَبَهُ وَأَحَلَّهُ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا: " «هَلْ بَقِيَ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ؟ " قَالُوا: نَعَمْ، فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ: " إِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ لَكُمْ» " وَلَوْ كَانَ هَذَا رِزْقَ مُضْطَرٍّ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ، ثُمَّ لَوْ كَانَ أَكْلُهُمْ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ، فَكَيْفَ سَاغَ لَهُمْ أَنْ يَدَّهِنُوا مِنْ وَدَكِهَا، وَيُنَجِّسُوا بِهِ ثِيَابَهُمْ وَأَبْدَانَهُمْ، وَأَيْضًا فَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لَا يُجَوِّزُ الشِّبَعَ مِنَ الْمَيْتَةِ، إِنَّمَا يُجَوِّزُونَ مِنْهَا سَدَّ الرَّمَقِ، وَالسَّرِيَّةُ أَكَلَتْ مِنْهَا حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْهِمْ أَجْسَامُهُمْ، وَسَمِنُوا، وَتَزَوَّدُوا مِنْهَا.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا يَتِمُّ لَكُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الدَّابَّةُ قَدْ مَاتَتْ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَلْقَاهَا مَيْتَةً، وَمنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَمَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبَحْرُ قَدْ جَزَرَ عَنْهَا وَهِيَ حَيَّةٌ فَمَاتَتْ بِمُفَارَقَةِ الْمَاءِ، وَذَلِكَ ذَكَاتُهَا وَذَكَاةُ حَيَوَانِ الْبَحْرِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ، كَيْفَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ: "فَجَزَرَ الْبَحْرُ عَنْ حُوتٍ كَالظَّرِبِ " قِيلَ: هَذَا الِاحْتِمَالُ مَعَ بُعْدِهِ جِدًّا فَإِنَّهُ يَكَادُ يَكُونُ خَرْقًا لِلْعَادَةِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ حَيَّةً إِنَّمَا تَكُونُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ وَثَبَجِهِ دُونَ سَاحِلِهِ وَمَا رَقَّ مِنْهُ وَدَنَا مِنَ الْبَرِّ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ إِذَا شُكَّ فِي السَّبَبِ الَّذِي مَاتَ بِهِ الْحَيَوَانُ، هَلْ هُوَ سَبَبٌ مُبِيحٌ لَهُ أَوْ غَيْرُ مُبِيحٍ؟ لَمْ يَحِلَّ الْحَيَوَانُ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّيْدِ يُرْمَى بِالسَّهْمِ، ثُمَّ يُوجَدُ فِي الْمَاءِ: وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْهُ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ " فَلَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ حَرَامًا إِذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يُبَحْ. وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ.
وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ النُّصُوصُ مَعَ الْمُبِيحِينَ، لَكَانَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 346
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست