responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 292
قُلْتُ: وَهَذَا بِنَاءٌ مِنْهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ يَجِبُ قَسْمُ الْأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً كَمَا تُقْسَمُ سَائِرُ الْمَغَانِمِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدْهُ قَسَمَ النِّصْفَ مِنْ خَيْبَرَ، قَالَ: إِنَّهُ فُتِحَ صُلْحًا. وَمَنْ تَأَمَّلَ السِّيَرَ وَالْمَغَازِيَ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ خَيْبَرَ إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْلَى عَلَى أَرْضِهَا كُلِّهَا بِالسَّيْفِ عَنْوَةً، وَلَوْ فُتِحَ شَيْءٌ مِنْهَا صُلْحًا لَمْ يُجْلِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى إِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا قَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِالْأَرْضِ مِنْكُمْ، دَعُونَا نَكُونُ فِيهَا وَنَعْمُرُهَا لَكُمْ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَهَذَا صَرِيحٌ جِدًّا فِي أَنَّهَا إِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَقَدْ حَصَلَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ بِهَا مِنَ الْحِرَابِ وَالْمُبَارَزَةِ وَالْقَتْلِ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَكِنْ لَمَّا أُلْجِئُوا إِلَى حِصْنِهِمْ نَزَلُوا عَلَى الصُّلْحِ الَّذِي بَذَلُوهُ، أَنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفْرَاءَ وَالْبَيْضَاءَ، وَالْحَلْقَةَ وَالسِّلَاحَ، وَلَهُمْ رِقَابُهُمْ وَذُرِّيَّتُهُمْ، وَيُجْلُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كَانَ الصُّلْحَ، وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ أَنَّ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ لِلْيَهُودِ، وَلَا جَرَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ: نُقِرُّكُمْ مَا شِئْنَا، فَكَيْفَ يُقِرُّهُمْ فِي أَرْضِهِمْ مَا شَاءَ؟ وَلَمَّا كَانَ عمر أَجْلَاهُمْ كُلَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُصَالِحْهُمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، هَذَا لَمْ يَقَعْ، فَإِنَّهُ لَمْ يَضْرِبْ عَلَى خَيْبَرَ خَرَاجًا الْبَتَّةَ.
فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بَيْنَ قَسْمِهَا وَوَقْفِهَا، أَوْ قَسْمِ بَعْضِهَا وَوَقْفِ الْبَعْضِ، وَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ، فَقَسَمَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَلَمْ يَقْسِمْ مَكَّةَ، وَقَسَمَ شَطْرَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ شَطْرَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ كَوْنِ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِمَا لَا مَدْفَعَ لَهُ.
وَإِنَّمَا قُسِمَتْ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَابَ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانَ مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ، لِكُلِّ فَرَسٍ سَهْمَانِ، فَقُسِمَتْ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا.

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست