responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 16
فَتَصْلُحُ عِنْدَهُ هَذِهِ النِّعْمَةُ، وَيَصْلُحُ بِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] [الْأَنْعَامِ: 53] ، فَإِذَا فَاتَتِ الْعَبْدَ نَعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ رَبِّهِ فَلْيَقْرَأْ عَلَى نَفْسِهِ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] .
ثُمَّ عَزَّاهُمْ تَعَالَى بِعَزَاءٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ جِهَادَهُمْ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَثَمَرَتُهُ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّهُ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ، وَمَصْلَحَةُ هَذَا الْجِهَادِ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ لَا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يُدْخِلُهُمْ بِجِهَادِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ.
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ حَالِ الدَّاخِلِ فِي الْإِيمَانِ بِلَا بَصِيرَةٍ، وَأَنَّهُ إِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ لَهُ كَعَذَابِ اللَّهِ، وَهِيَ أَذَاهُمْ لَهُ، وَنَيْلُهُمْ إِيَّاهُ بِالْمَكْرُوهِ وَالْأَلَمِ الَّذِي لَا بُدَّ أَنْ يَنَالَهُ الرُّسُلُ وَأَتْبَاعُهُمْ مِمَّنْ خَالَفَهُمْ، جَعَلَ ذَلِكَ فِي فِرَارِهِ مِنْهُمْ وَتَرْكِهِ السَّبَبَ الَّذِي نَالَهُ كَعَذَابِ اللَّهِ الَّذِي فَرَّ مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ بِالْإِيمَانِ، فَالْمُؤْمِنُونَ لِكَمَالِ بَصِيرَتِهِمْ فَرُّوا مِنْ أَلَمِ عَذَابِ اللَّهِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَتَحَمَّلُوا مَا فِيهِ مِنَ الْأَلَمِ الزَّائِلِ الْمُفَارِقِ عَنْ قَرِيبٍ، وَهَذَا لِضَعْفِ بَصِيرَتِهِ فَرَّ مِنْ أَلَمِ عَذَابِ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ وَمُتَابَعَتِهِمْ، فَفَرَّ مِنْ أَلَمِ عَذَابِهِمْ إِلَى أَلَمِ عَذَابِ اللَّهِ، فَجَعَلَ أَلَمَ فِتْنَةِ النَّاسِ فِي الْفِرَارِ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ أَلَمِ عَذَابِ اللَّهِ، وَغُبِنَ كُلَّ الْغَبْنِ إِذِ اسْتَجَارَ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ، وَفَرَّ مِنْ أَلَمِ سَاعَةٍ إِلَى أَلَمِ الْأَبَدِ، وَإِذَا نَصَرَ اللَّهُ جُنْدَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا انْطَوَى عَلَيْهِ صَدْرُهُ مِنَ النِّفَاقِ.
وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمْتَحِنَ النُّفُوسَ وَيَبْتَلِيَهَا، فَيُظْهِرُ بِالِامْتِحَانِ طَيِّبَهَا مِنْ خَبِيثِهَا، وَمَنْ يَصْلُحُ لِمُوَالَاتِهِ وَكَرَامَاتِهِ وَمَنْ لَا يَصْلُحُ، وَلِيُمَحِّصَ النُّفُوسَ الَّتِي تَصْلُحُ لَهُ، وَيُخَلِّصَهَا بِكِيرِ الِامْتِحَانِ، كَالذَّهَبِ الَّذِي لَا يَخْلُصُ وَلَا يَصْفُو مِنْ غِشِّهِ إِلَّا بِالِامْتِحَانِ، إِذِ النَّفْسُ فِي الْأَصْلِ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ، وَقَدْ حَصَلَ لَهَا بِالْجَهْلِ وَالظُّلْمِ مِنَ الْخُبْثِ مَا يَحْتَاجُ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 16
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست