responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 107
قِسْمَتُهَا، وَأَنَّ مَكَّةَ تُمْلَكُ وَتُبَاعُ، وَرِبَاعُهَا وَدُورُهَا لَمْ تُقْسَمْ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا.
لَكِنْ مَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ، وَجَدَهَا كُلَّهَا دَالَّةً عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ، أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً. ثُمَّ اخْتَلَفُوا لِأَيِّ شَيْءٍ لَمْ يَقْسِمْهَا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِأَنَّهَا دَارُ النُّسُكِ وَمَحَلُّ الْعِبَادَةِ، فَهِيَ وَقْفٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِي الْأَرْضِ بَيْنَ قِسْمَتِهَا وَبَيْنَ وَقْفِهَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ، وَلَمْ يَقْسِمْ مَكَّةَ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ. قَالُوا: وَالْأَرْضُ لَا تَدْخُلُ فِي الْغَنَائِمِ الْمَأْمُورِ بِقِسْمَتِهَا، بَلِ الْغَنَائِمُ هِيَ الْحَيَوَانُ وَالْمَنْقُولُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُحِلَّ الْغَنَائِمَ لِأُمَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَحَلَّ لَهُمْ دِيَارَ الْكُفْرِ وَأَرْضَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 20] إِلَى قَوْلِهِ: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21] [الْمَائِدَةِ: 20، 21] ، وَقَالَ فِي دِيَارِ فرعون وَقَوْمِهِ وَأَرْضِهِمْ: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59] [الشُّعَرَاءِ: 59] ، فَعُلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَدْخُلُ فِي الْغَنَائِمِ، وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ، وعمر لَمْ يَقْسِمْ، بَلْ أَقَرَّهَا عَلَى حَالِهَا وَضَرَبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا فِي رَقَبَتِهَا يَكُونُ لِلْمُقَاتِلَةِ، فَهَذَا مَعْنَى وَقْفِهَا، لَيْسَ مَعْنَاهُ الْوَقْفَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي الرَّقَبَةِ، بَلْ يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ كَمَا هُوَ عَمَلُ الْأُمَّةِ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا تُورَثُ، وَالْوَقْفُ لَا يُورَثُ، وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّهَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ صَدَاقًا، وَالْوَقْفُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ إِنَّمَا امْتَنَعَ بَيْعُهُ وَنَقْلُ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبُطُونِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، وَالْمُقَاتِلَةُ حَقُّهُمْ فِي خَرَاجِ الْأَرْضِ، فَمَنِ اشْتَرَاهَا صَارَتْ عِنْدَهُ خَرَاجِيَّةً، كَمَا كَانَتْ عِنْدَ الْبَائِعِ سَوَاءً، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَذَا الْبَيْعِ، كَمَا لَمْ يَبْطُلْ بِالْمِيرَاثِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَاقِ، وَنَظِيرُ هَذَا بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَقَدِ انْعَقَدَ فِيهِ سَبَبُ الْحُرِّيَّةِ بِالْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي مُكَاتَبًا كَمَا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَلَا يَبْطُلُ مَا انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ مِنْ سَبَبِ الْعِتْقِ بِبَيْعِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 3  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست