responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 329
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَلِيقُ بِالْعَبْدِ غَيْرُ مَا أُقِيمَ فِيهِ، وَحِكْمَتُهُ وَحَمْدُهُ أَقَامَاهُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ سِوَاهُ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَتَخَطَّاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ مَوَاقِعَ عَطَائِهِ وَفَضْلِهِ، وَ {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53] [الْأَنْعَامِ: 53] فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَوَاقِعِ الْفَضْلِ، وَمَحَالِّ التَّخْصِيصِ، وَمَحَالِّ الْحِرْمَانِ، فَبِحَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ أَعْطَى، وَبِحَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ حَرَمَ، فَمَنْ رَدَّهُ الْمَنْعُ إِلَى الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَتَمَلُّقِهِ، انْقَلَبَ الْمَنْعُ فِي حَقِّهِ عَطَاءً، وَمَنْ شَغَلَهُ عَطَاؤُهُ، وَقَطَعَهُ عَنْهُ انْقَلَبَ الْعَطَاءُ فِي حَقِّهِ مَنْعًا، فَكُلُّ مَا شَغَلَ الْعَبْدَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ مَشْئُومٌ عَلَيْهِ
وَكُلُّ مَا رَدَّهُ إِلَيْهِ فَهُوَ رَحْمَةٌ بِهِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى يُرِيدُ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَفْعَلَ، وَلَا يَقَعُ الْفِعْلُ حَتَّى يُرِيدَ سُبْحَانَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُعِينَهُ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَرَادَ مِنَّا الِاسْتِقَامَةَ دَائِمًا، وَاتِّخَاذَ السَّبِيلِ إِلَيْهِ، وَأَخْبَرَنَا أَنَّ هَذَا الْمُرَادَ لَا يَقَعُ حَتَّى يُرِيدَ مِنْ نَفْسِهِ إِعَانَتَنَا عَلَيْهَا، وَمُشِيئَتَهُ لَنَا، فَهُمَا إِرَادَتَانِ: إِرَادَةٌ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَفْعَلَ وَإِرَادَةٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ يُعِينَهُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْفِعْلِ إِلَّا بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ، وَلَا يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] [التَّكْوِيرِ: 29] فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعَبْدِ رُوحٌ أُخْرَى، نِسْبَتُهَا إِلَى رُوحِهِ، كَنِسْبَةِ رُوحِهِ إِلَى بَدَنِهِ، يَسْتَدْعِي بِهَا إِرَادَةَ اللَّهِ مِنْ نَفْسِهِ، أَنْ يَفْعَلَ بِهِ مَا يَكُونُ بِهِ الْعَبْدُ فَاعِلًا، وَإِلَّا فَمَحَلُّهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلْعَطَاءِ، وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْعَطَاءُ، فَمَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إِنَاءٍ رَجَعَ بِالْحِرْمَانِ، وَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَهُمَا قَرِينَانِ، وَمِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَهُمَا قَرِينَانِ، فَإِنْ تَخَلَّفَ كَمَالُ الْعَبْدِ وَصَلَاحُهُ عَنْهُ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَجْزٌ، أَوْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يُرِيدُ، فَهُوَ كَسَلٌ، وَيَنْشَأُ عَنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ فَوَاتُ كُلِّ خَيْرٍ، وَحُصُولُ كُلِّ شَرٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ الشَّرِّ تَعْطِيلُهُ عَنِ النَّفْعِ بِبَدَنِهِ، وَهُوَ الْجُبْنُ، وَعَنِ النَّفْعِ بِمَالِهِ وَهُوَ الْبُخْلُ، ثُمَّ يَنْشَأُ لَهُ بِذَلِكَ غَلَبَتَانِ. غَلَبَةٌ بِحَقٍّ، وَهِيَ غَلَبَةُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةٌ بِبَاطِلٍ، وَهِيَ غَلَبَةُ الرِّجَالِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ ثَمَرَةُ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلرَّجُلِ الَّذِي

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 329
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست