responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 326
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ فِي هَذَا رَدٌّ لِلْقَدَرِ وَلَا جَحْدٌ لَهُ، إِذْ تِلْكَ الْأَسْبَابُ الَّتِي تَمَنَّاهَا أَيْضًا مِنَ الْقَدَرِ، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ وَقَفْتُ لِهَذَا الْقَدَرِ لَانْدَفَعَ بِهِ عَنِّي ذَلِكَ الْقَدَرُ، فَإِنَّ الْقَدَرَ يُدْفَعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، كَمَا يُدْفَعُ قَدَرُ الْمَرَضِ بِالدَّوَاءِ، وَقَدَرُ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ، وَقَدَرُ الْعَدُوِّ بِالْجِهَادِ، فَكِلَاهُمَا مِنَ الْقَدَرِ.
قِيلَ: هَذَا حَقٌّ، وَلَكِنَّ هَذَا يَنْفَعُ قَبْلَ وُقُوعِ الْقَدَرِ الْمَكْرُوهِ، وَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فَلَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى دَفْعِهِ أَوْ تَخْفِيفِهِ بِقَدَرٍ آخَرَ، فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: لَوْ كُنْتُ فَعَلْتُهُ، بَلْ وَظِيفَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ فِعْلَهُ الَّذِي يَدْفَعُ بِهِ، أَوْ يُخَفِّفَ أَثَرَ مَا وَقَعَ، وَلَا يَتَمَنَّى مَا لَا مَطْمَعَ فِي وُقُوعِهِ، فَإِنَّهُ عَجْزٌ مَحْضٌ، وَاللَّهُ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَيُحِبُّ الْكَيْسَ وَيَأْمُرُ بِهِ
وَالْكَيْسُ: هُوَ مُبَاشَرَةُ الْأَسْبَابِ الَّتِي رَبَطَ اللَّهُ بِهَا مُسَبِّبَاتِهَا النَّافِعَةَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَهَذِهِ تَفْتَحُ عَمَلَ الْخَيْرِ، وَأَمَّا الْعَجْزُ، فَإِنَّهُ يَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا عَجَزَ عَمَّا يَنْفَعُهُ، وَصَارَ إِلَى الْأَمَانِي الْبَاطِلَةِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَوْ فَعَلْتُ كَذَا، يَفْتَحُ عَلَيْهِ عَمَلَ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ بَابَهُ الْعَجْزُ وَالْكَسَلُ، وَلِهَذَا اسْتَعَاذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا، وَهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، وَيَصْدُرُ عَنْهُمَا الْهَمُّ، وَالْحَزَنُ وَالْجُبْنُ، وَالْبُخْلُ وَضَلَعُ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ، فَمَصْدَرُهَا كُلُّهَا عَنِ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَعُنْوَانُهَا " لَوْ " فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «فَإِنَّ " لَوْ " تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» ) فَالْمُتَمَنِّي مِنْ أَعْجَزِ النَّاسِ وَأَفْلَسِهِمْ، فَإِنَّ التَّمَنِّيَ رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ، وَالْعَجْزُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ.
وَأَصْلُ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الْعَجْزُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَعْجِزُ عَنْ أَسْبَابِ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ، وَعَنِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُبْعِدُهُ عَنِ الْمَعَاصِي، وَتَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَيَقَعُ فِي الْمَعَاصِي، فَجَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ فِي اسْتِعَاذَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصُولَ الشَّرِّ وَفُرُوعَهُ، وَمَبَادِيَهُ وَغَايَاتِهِ، وَمَوَارِدَهُ وَمَصَادِرَهُ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَمَانِي خِصَالٍ، كُلُّ خَصْلَتَيْنِ مِنْهَا قَرِينَتَانِ، فَقَالَ: ( «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ» ) وَهُمَا قَرِينَانِ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْوَارِدَ

نام کتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد نویسنده : ابن القيم    جلد : 2  صفحه : 326
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست