نام کتاب : الوابل الصيب من الكلم الطيب نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 82
(الثانية والسبعون)
إن في الاشتغال بالذكر اشتغالاً عن الكلام الباطل من الغيبة واللغو ومدح الناس وذمهم وغير ذلك، فإن الإنسان لا يسكت البتة: فإما لسان ذاكر، وإما لسان لاغ، ولا بد من أحدهما، فهي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل سكنه محبة المخلوقين ولا بد، وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولا بد، فاختر لنفسك إحدى الخطتين، وأنزلهها في إحدى المنزلتين.
(الثالثة والسبعون)
وهي التي بدأنا بذكرها وأشرنا إليها فنذكرها ههنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها، وحاجة كل أحد بل ضرورته إليها، وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد وهم أعداؤه فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المحنقون عليه غيظاً وأحاطوا به، وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل.
وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه، فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه، وهو حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً وكنا في صفه بالمدينة، فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجباً: رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره والديه فرد ملك الموت عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه، ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم، ورأيت رجلاً من أمتي يلهب ــ وفي رواية يلهث ــ عطشاً، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوساً حلقاً حلقاً كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي، ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها، فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور.
ورأيت رجلاً من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه.
ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين، إنه كان وصولاً لرحمه فكلموه، فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم
نام کتاب : الوابل الصيب من الكلم الطيب نویسنده : ابن القيم جلد : 1 صفحه : 82