responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 207
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ أَلَّا يَبِيعَ الطَّعَامَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَصْنَافِ إلَّا نَاسٌ مَعْرُوفُونَ، فَلَا تُبَاعُ تِلْكَ السِّلَعُ إلَّا لَهُمْ، ثُمَّ يَبِيعُونَهَا هُمْ بِمَا يُرِيدُونَ، فَلَوْ بَاعَ غَيْرُهُمْ ذَلِكَ مُنِعَ وَعُوقِبَ، فَهَذَا مِنْ الْبَغْيِ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ، وَالظُّلْمِ الَّذِي يُحْبَسُ بِهِ قَطْرُ السَّمَاءِ، وَهَؤُلَاءِ يَجِبُ التَّسْعِيرُ عَلَيْهِمْ، وَأَلَّا يَبِيعُوا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَلَا يَشْتَرُوا إلَّا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، بِلَا تَرَدُّدٍ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ إذَا مَنَعَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ النَّوْعَ أَوْ يَشْتَرِيَهُ، فَلَوْ سَوَّغَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا بِمَا شَاءُوا أَوْ يَشْتَرُوا بِمَا شَاءُوا: كَانَ ذَلِكَ ظُلْمًا لِلنَّاسِ: ظُلْمًا لِلْبَائِعِينَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ بَيْعَ تِلْكَ السِّلَعِ، وَظُلْمًا لِلْمُشْتَرِينَ مِنْهُمْ.
فَالتَّسْعِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاجِبٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَحَقِيقَتُهُ: إلْزَامُهُمْ بِالْعَدْلِ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَيَجُوزُ أَوْ يَجِبُ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، مِثْلُ بَيْعِ الْمَالِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ، وَالنَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، وَمِثْلُ الْبَيْعِ لِلْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامٍ أَوْ لِبَاسٍ، وَمِثْلُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَمِثْلُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الشِّقْصَ بِثَمَنِهِ قَهْرًا، وَكَذَلِكَ السِّرَايَةُ فِي الْعِتْقِ، فَإِنَّهَا تُخْرِجُ الشِّقْصَ مِنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ قَهْرًا، وَتُوجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا قَهْرًا، وَكُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَرْكُوبِ - بِحَجٍّ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ - فَمَتَى وَجَدَهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ، وَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يُبْذَلَ لَهُ مَجَّانًا، أَوْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ.

[فَصَلِّ فِي القسامين الَّذِينَ يقسمون الْعَقَار وَغَيْره بالأجرة]
103 - (فَصْلٌ)
وَمِنْ هَاهُنَا: مَنَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ - كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ - الْقَسَّامِينَ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ الْعَقَارَ وَغَيْرَهُ بِالْأُجْرَةِ: أَنْ يَشْتَرِكُوا، فَإِنَّهُمْ إذَا اشْتَرَكُوا - وَالنَّاسُ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِمْ - أَغْلَوْا عَلَيْهِمْ الْأُجْرَةَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِوَالِي الْحِسْبَةِ: أَنْ يَمْنَعَ مُغَسِّلِي الْمَوْتَى وَالْحَمَّالِينَ لَهُمْ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إغْلَاءِ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِمْ؛ وَكَذَلِكَ اشْتِرَاكُ كُلِّ طَائِفَةٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ إلَى مَنَافِعِهِمْ؛ كَالشُّهُودِ وَالدَّلَّالِينَ وَغَيْرِهِمْ؛ عَلَى أَنَّ فِي شَرِكَةِ الشُّهُودِ مُبْطَلًا آخَرَ؛ فَإِنَّ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَمَيِّزٌ عَنْ عَمَلِ الْآخَرِ، لَا يُمْكِنُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ مُتَمَيِّزَةٌ؛ وَالتَّحَمُّلَ مُتَمَيِّزٌ؛ وَالْأَدَاءَ مُتَمَيِّزٌ؛ لَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ اشْتِرَاكٌ وَلَا تَعَاوُنٌ، فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا أُجْرَةَ عَمَلِ صَاحِبِهِ؟ وَهَذَا بِخِلَافِ الِاشْتِرَاكِ فِي سَائِرِ الصَّنَائِعِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بَعْضَ الْعَمَلِ وَالْآخَرُ بَعْضَهُ، وَلِهَذَا إذَا اخْتَلَفَتْ الصَّنَائِعُ: لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، لِتَعَذُّرِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَمَلِ،

نام کتاب : الطرق الحكمية نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 207
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست