responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 14
الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي حُصُولِ مَا يَنْفَعُ الْعَبْدَ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَلَا بُدَّ مَعَ هَذَا الِاعْتِمَادِ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْأَسْبَابِ، وَإِلَّا كَانَ مُعَطِّلًا لِلْحِكْمَةِ وَالشَّرْعِ، فَلَا يَجْعَلُ الْعَبْدُ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا، وَلَا تَوَكُّلَهُ عَجْزًا.
وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ التَّدَاوِي، وَقَالَ: إِنْ كَانَ الشِّفَاءُ قَدْ قُدِّرَ، فَالتَّدَاوِي لَا يُفِيدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ قُدِّرَ، فَكَذَلِكَ وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَرَضَ حَصَلَ بِقَدَرِ اللَّهِ، وَقَدَرُ اللَّهِ لَا يُدْفَعُ وَلَا يُرَدُّ، وَهَذَا السُّؤَالُ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْأَعْرَابُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا أَفَاضِلُ الصِّحَابَةِ، فَأَعْلَمُ بِاَللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ أَنْ يُورِدُوا مِثْلَ هَذَا، وَقَدْ أَجَابَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا شَفَى وَكَفَى، فَقَالَ: هَذِهِ الْأَدْوِيَةُ وَالرُّقَى وَالتُّقَى هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، فَمَا خَرَجَ شَيْءٌ عَنْ قَدَرِهِ، بَلْ يُرَدُّ قَدَرُهُ بِقَدَرِهِ، وَهَذَا الرَّدُّ مِنْ قَدَرِهِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى الْخُرُوجِ عَنْ قَدَرِهِ بِوَجْهٍ مَا، وَهَذَا كَرَدِّ قَدَرِ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ وَالْحَرِّ، وَالْبَرْدِ بِأَضْدَادِهَا، وَكَرَدِّ قَدَرِ الْعَدُوِّ بِالْجِهَادِ، وَكُلٌّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ وَالدَّفْعُ.
وَيُقَالُ لِمُورِدِ هَذَا السُّؤَالِ «هَذَا يُوجِبُ عليك ألاتباشر سَبَبًا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَجْلِبُ بِهَا مَنْفَعَةً، أَوْ تَدْفَعُ بِهَا مَضَرَّةً، لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ وَالْمَضَرَّةَ إِنْ قُدِّرَتَا، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ وُقُوعِهِمَا، وَإِنْ لَمْ تُقَدَّرَا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إِلَى وُقُوعِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ خَرَابُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَفَسَادُ الْعَالَمِ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إِلَّا دَافِعٌ لِلْحَقِّ، مُعَانِدٌ لَهُ، فَيَذْكُرُ الْقَدَرَ لِيَدْفَعَ حُجَّةَ الْمُحِقِّ عَلَيْهِ، كَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا [1] ، ولَوْ شاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا [2] . فَهَذَا قَالُوهُ دَفْعًا لِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِالرُّسُلِ.
وَجَوَابُ هَذَا السَّائِلِ أَنْ يُقَالَ: بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ لَمْ تَذْكُرْهُ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ كَذَا وَكَذَا بِهَذَا السَّبَبِ. فَإِنْ أَتَيْتَ بِالسَّبَبِ حَصَلَ الْمُسَبَّبُ، وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ قَدَّرَ لِي السَّبَبَ، فَعَلْتُهُ، وَإِنْ لَمْ يقدّره لي لم أتمكن من فعله.

[1] الانعام- 148- والمعنى أن المشركين يريدون أن يقولوا: إن الله راض بإشراكنا وتحريمنا للبحيرة والسائبة وغيرهما. ورد الله عليهم بقوله «قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا»
[2] النحل- 35- والمعنى أن قائل هذا القول أهل مكة وأحزابهم في الشرك فرد عليهم بأنهم يتبعون الذين كانوا من قبلهم فهم مقلدون لاحظ لهم من النظر «كذلك قال الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين»
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 14
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست