responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 118
الأوساخ، وإنما كان في رؤوس الصِّبْيَانِ أَكْثَرَ لِكَثْرَةِ رُطُوبَاتِهِمْ وَتَعَاطِيهِمُ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُوَلِّدُ الْقَمْلَ، وَلِذَلِكَ حَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم رؤوس بَنِي جَعْفَرٍ.
وَمِنْ أَكْبَرِ عِلَاجِهِ حَلْقُ الرَّأْسِ لِتَنْفَتِحَ مَسَامُّ الْأَبْخِرَةِ، فَتَتَصَاعَدَ الْأَبْخِرَةُ الرَّدِيئَةُ، فَتُضْعِفَ مَادَّةَ الْخَلْطِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلَى الرَّأْسُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَقْتُلُ الْقَمْلَ، وَتَمْنَعُ تَوَلَّدَهُ.
وَحَلْقُ الرَّأْسِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا نُسُكٌ وَقُرْبَةٌ وَالثَّانِي بِدْعَةٌ وَشِرْكٌ، وَالثَّالِثُ حَاجَةٌ وَدَوَاءٌ فَالْأَوَّلُ: الحلق في أحد النسكين، الحج أو العمرةه وَالثَّانِي: حَلْقُ الرَّأْسِ لِغَيْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، كَمَا يَحْلِقُهَا الْمُرِيدُونَ لِشُيُوخِهِمْ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَنَا حَلَقْتُ رَأْسِي لِفُلَانٍ، وَأَنْتَ حَلَقْتَهُ لِفُلَانٍ، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقُولَ سَجَدْتُ لِفُلَانٍ فَإِنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ خُضُوعٌ وَعُبُودِيَّةٌ وَذُلٌّ، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ، حَتَّى إِنَّهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِ، فَإِنَّهُ وَضْعُ النَّوَاصِي بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهَا خُضُوعًا لِعَظَمَتِهِ، وَتَذَلُّلًا لِعِزَّتِهِ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ أَنْوَاعِ الْعُبُودِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادَتْ إِذْلَالَ الْأَسِيرِ مِنْهُمْ وَعِتْقَهُ، حَلَقُوا رَأْسَهُ وَأَطْلَقُوهُ، فَجَاءَ شُيُوخُ الضَّلَالِ وَالْمُزَاحِمُونَ لِلرُّبُوبِيَّةِ الَّذِينَ أَسَاسُ مَشْيَخَتِهِمْ عَلَى الشِّرَكِ وَالْبِدْعَةِ، فَأَرَادُوا مِنْ مُرِيدِيهِمْ أَنْ يَتَعَبَّدُوا لَهُمْ، فزيّنوا لهم حلق رؤوسهم لَهُمْ كَمَا زَيَّنُوا لَهُمُ السُّجُودَ لَهُمْ، وَسَمَّوْهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَقَالُوا: هُوَ وَضْعُ الرَّأْسِ بَيْنَ يَدَيِ الشَّيْخِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ السُّجُودَ لِلَّهِ هُوَ وَضْعُ الرَّأْسِ بَيْنَ يَدَيْهِ سُبْحَانَهُ، وَزَيَّنُوا لَهُمْ أَنْ يَنْذُرُوا لَهُمْ، وَيَتُوبُوا لَهُمْ، وَيَحْلِفُوا بِأَسْمَائِهِمْ، وَهَذَا هُوَ اتِّخَاذُهُمْ أَرْبَابًا وَآلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ، وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [1] .
وَأَشْرَفُ الْعُبُودِيَّةِ عُبُودِيَّةُ الصَّلَاةِ، وَقَدْ تَقَاسَمَهَا الشَّيُوخُ وَالْمُتَشَبِّهُونَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْجَبَابِرَةُ، فَأَخَذَ الشَّيُوخُ مِنْهَا أَشْرَفَ مَا فِيهَا، وَهُوَ السَّجُودُ، وَأَخَذَ الْمُتَشَبِّهُونَ بِالْعُلَمَاءِ مِنْهَا الرُّكُوعَ، فَإِذَا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا رَكَعَ له كما يركع المصلي لربه سواء

[1] آل عمران- 79، 80
نام کتاب : الطب النبوي نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 118
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست