responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 41
وسعادته وفلاحه فى عبادة الله تعالى والاستعانة به، وهلاكه وشقاؤه وضرره العاجل والآجل فى عبادة المخلوق والاستعانة به.
الوجه الثامن: أن الله سبحانه غنى كريم، عزيز رحيم. فهو محسن إلى عبده مع غناه عنه، يريد به الخير، ويكشف عنه الضر، لا لجلب منفعه إليه من العبد، ولا لدفع مضرة، بل رحمة منه وإحسانا. فهو سبحانه لم يخلق خلقه ليتكثر بهم من قلة، ولا ليعتز بهم من ذلة، ولا ليرزقوه قوة، ولا لينفعوه، ولا ليدفعوا عنه، كما قال تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ منْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ المَتِينُ} [الذاريات: 56 - 58] وقال تعالى: {وَقُلِ الحمْدُ لِلَّهِ الّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فى اُلملْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِى مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الإسراء: 111] .
فهو سبحانه لا يوالى من يواليه من الذل، كما يوالى المخلوق المخلوق، وإنما يوالى أولياءه إحسانا ورحمة ومحبة لهم. وأما العباد فإنهم كما قال عز وجل:
{وَاللهُ الْغَنِىُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد: 38] .
فهم لفقرهم وحاجتهم إنما يحسن بعضهم إلى بعض لحاجته إلى ذلك وانتفاعه به عاجلاً أو آجلاً. ولولا تصور ذلك النفع لما أحسن إليه. فهو فى الحقيقة إنما أراد الإحسان إلى نفسه، وجعل إحسانه إلى غيره وسيلة وطريقا إلى وصول نفع ذلك الإحسان إليه. فإنه إما أن يحسن إليه لتوقع جزائه فى العاجل، فهو محتاج إلى ذلك الجزاء، أو معاوضة بإحسانه، أو لتوقع حمده وشكره. وهو أيضاً إنما يحسن إليه ليحصل منه ما هو محتاج إليه من الثناء والمدح، فهو محسن إلى نفسه بإحسانه إلى الغير. وإما أن يريد الجزاء من الله تعالى فى الآخرة، فهو أيضاً محسن إلى نفسه بذلك، وإنما أخر جزاءه إلى يوم فقره وفاقته، فهو غير ملوم فى هذا القصد، فإنه فقير محتاج، وفقره وحاجته أمر لازم له من لوازم ذاته، فكماله أن يحرص على ما ينفعه ولا يعجز عنه، وقال تعالى:
{إِنْ أحْسَنْتُمْ أََحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7] وقال: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إلَيْكمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272] .
وقال تعالى، فيما رواه عنه رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: " يَا عِبَادِى: إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى، وَلَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِى، يا عِبَادِى: إِنّمَا هِىَ أَعْماَلكُم أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ".

نام کتاب : إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 41
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست