responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 58
وَقَوْلُكُمْ: " إنَّ الْمُسْتَثْنِيَ لَوْ سُئِلَ عَمَّا أَرَادَ لَمْ يُفْصِحْ بِالْمَشِيئَةِ الْخَاصَّةِ، بَلْ تَكَلَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ بِنَاءً عَلَى مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ التَّكَلُّمِ بِهَذَا اللَّفْظِ " كَلَامٌ غَيْرُ سَدِيدٍ، فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمَا نَفَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي يَمِينٍ قَطُّ، وَلِهَذَا نَقُولُ: إنْ قَصَدَ التَّحْقِيقَ وَالتَّأْكِيدَ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ يُنَجَّزُ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ " إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَابُهُ الْأَيْمَانُ " إنْ أَرَدْتُمْ بِهِ اخْتِصَاصَ الْأَيْمَانِ بِهِ فَلَمْ تَذْكُرُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى» ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «مَنْ حَلَفَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ فَإِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ» فَحَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلَكِنْ لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ الِاسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ بِالْيَمِينِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا} [الكهف: 23] {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 24] وَهَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ، وَيُشْرَعُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِهِ: غَدًا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ عَتَبَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ عَنْ أَشْيَاءَ " غَدًا أُخْبِرُكُمْ "، وَلَمْ يَقُلْ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَاحْتَبَسَ الْوَحْيُ عَنْهُ شَهْرًا، ثُمَّ نَزَلَ عَلَيْهِ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24] أَيْ: إذَا نَسِيتَ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءَ عَقِيبَ كَلَامِك فَاذْكُرْهُ بِهِ إذَا ذَكَرْت، هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَرَاخِي، وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ عَبَّاسٍ قَطُّ، وَلَا مَنْ هُوَ دُونَهُ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ " أَوْ لِعَبْدِهِ: " أَنْتَ حُرٌّ " ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سَنَةٍ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " إنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ، وَأَخْطَأَ مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَخْتَصُّ بِالْيَمِينِ لَا شَرْعًا، وَلَا عُرْفًا، وَلَا لُغَةً، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِكَوْنِ بَابِهِ الْأَيْمَانَ كَثْرَتَهُ فِيهَا؛ فَهَذَا لَا يَنْفِي دُخُولُهُ فِي غَيْرِهَا.
وَقَوْلُكُمْ: " إنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْإِخْبَارَاتِ، وَلَا فِي الْإِنْشَاءَاتِ، فَلَا يُقَالُ: قَامَ زَيْدٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلَا قُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ [وَلَا بِعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ] فَكَذَا لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَيْسَ هَذَا بِتَمْثِيلٍ صَحِيحٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْأُمُورَ الْمَاضِيَةَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، وَالشَّرْطُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ: قُمْت أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَوْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ وُقُوعِهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أَتَى بِغَيْرِ صِيغَةِ الشَّرْطِ، فَيَقُولُ: فَعَلْت كَذَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَتَأْيِيدِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَدًا أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " قُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ " وَ " لَا تَقُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْكَلَامِ؛ إذْ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِقَوْلِهِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ لَك الْقِيَامَ فَقُمْ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْهُ فَلَا تَقُمْ؟ .
نَعَمْ لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قُمْ أَوْ لَا تَقُمْ الْخَبَرَ، وَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الطَّلَبِ تَأْكِيدًا، أَيْ: تَقُومُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، صَحَّ ذَلِكَ، كَمَا إذَا قَالَ:

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست