responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 56
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الْكَفَّارَةَ أَقْوَى مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهَا تَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ عَقْدَهَا، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ الْكَفَّارَةُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَالِاسْتِثْنَاءُ أَوْلَى " فَمَا أَوْهَنَهَا مِنْ شُبْهَةٍ، وَهِيَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا شَيْءَ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ إذَا وَقَعَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِمَا الْكَفَّارَةُ شَيْئًا، وَلَا يُمْكِنُ حِلُّهُمَا بِالْكَفَّارَةِ، بِخِلَافِ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ حِلَّهَا بِالْكَفَّارَةِ مُمْكِنٌ، وَهَذَا تَشْرِيعٌ شَرَعَهُ شَارِعُ الْأَحْكَامِ هَكَذَا، فَلَا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ؛ فَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ لَا يَقْبَلُ الْكَفَّارَةَ كَمَا لَمْ تَقْبَلْهَا سَائِرُ الْعُقُودِ كَالْوَقْفِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْخُلْعِ، فَالْكَفَّارَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَيْمَانِ، وَهِيَ مِنْ أَحْكَامِهَا الَّتِي لَا تَكُونُ لِغَيْرِهَا، وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَيُشْرَعُ فِي أَعَمَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالْخَبَرِ عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ، كَقَوْلِ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَقَوْلِهِ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ: «بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ» ، وَكَذَا الْخَبَرُ عَنْ الْحَالِ نَحْوَ " أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ "، وَلَا تَدْخُلُ الْكَفَّارَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّكْفِيرِ تَلَازُمٌ.
بَلْ تَكُونُ الْكَفَّارَةُ حَيْثُ لَا اسْتِثْنَاءَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ حَيْثُ لَا كَفَّارَةَ، وَالْكَفَّارَةُ شُرِعَتْ تَحِلَّةً لِلْيَمِينِ بَعْدَ عَقْدِهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ شُرِعَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ تَأْكِيدُ التَّوْحِيدِ، وَتَعْلِيقُ الْأُمُورِ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِمَشِيئَتِهِ؛ فَشُرِعَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُفَوِّضَ الْأَمْرَ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ، وَحَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرْكِهِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ وَيَعْقِدُ نُطْقَهُ بِذَلِكَ، فَهَذَا شَيْءٌ، وَالْكَفَّارَةُ شَيْءٌ آخَرُ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ كَانَ رَافِعًا فَهُوَ رَافِعٌ لِجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَا يَرْتَفِعُ " فَهَذَا كَلَامٌ عَارٍ عَنْ التَّحْقِيقِ؛ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ بِأَدَاةِ إلَّا، وَأَخَوَاتِهَا الَّتِي يَخْرُجُ بِهَا بَعْضُ الْمَذْكُورِ، وَيَبْقَى بَعْضُهُ حَتَّى يَلْزَمَ مَا ذَكَرْتُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ، ثُمَّ كَيْفَ يَقُولُ هَذَا الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ الْيَوْمَ "، وَلَمْ يَشَأْ؟ فَمُوجِبُ دَلِيلِهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ أَخْرَجَهُ بِأَدَاةِ إلَّا فَقَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ " كَانَ رَفْعًا لِجُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، قِيلَ: هَذِهِ مَغْلَطَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هَاهُنَا لَيْسَ إخْرَاجُ جُمْلَةِ مَا تَنَاوَلَهُ الْمَذْكُورُ؛ لِيَلْزَمَ مَا ذَكَرْت، وَإِنَّمَا هُوَ تَقْيِيدٌ لِمُطْلَقِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مُخَصَّصَةٍ لِبَعْضِ أَحْوَالِهَا، أَيْ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ حَالَةٍ إلَّا حَالَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ حَالَةٌ لَا يَشَاءُ اللَّهُ فِيهَا الطَّلَاقَ، فَإِذَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ طَلَاقٌ بَعْدَ هَذَا عَلِمْنَا بِعَدَمِ وُقُوعِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ الطَّلَاقَ؛ إذْ لَوْ شَاءَهُ لَوَقَعَ.
ثُمَّ يُنْتَقَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ " وَ " إلَّا أَنْ تَقُومِي " وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إذَا لَمْ يَشَأْهُ زَيْدٌ، وَإِذَا لَمْ تَقُمْ، وَسَمَّى هَذَا التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِثْنَاءً فِي لُغَةِ الشَّارِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم: 17] {وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 18] أَيْ: لَمْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست