responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 52
يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ؛ إذْ الشَّرْطُ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِقْبَالِ، فَحَقِيقَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلَاقُك فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يُنْشِأَ لَهَا طَلَاقًا آخَرَ.
وَنُقَرِّرُهُ بِلَفْظٍ آخَرَ فَنَقُولُ: عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ مَنْ لَهُ مَشِيئَةٌ صَحِيحَةٌ مُعْتَبَرَةٌ، فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَةِ آحَادِ النَّاسِ، يُبَيِّنُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا شَاءَهُ اللَّهُ فَقَدْ شَاءَهُ رَسُولُهُ؛ فَلَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مُوجِبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْحَالِ لَكَانَ التَّعْلِيقُ بِمَشِيئَةِ رَسُولِهِ فِي حَيَاتِهِ كَذَلِكَ، وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا عَوَّلْتُمْ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ شَاءَ الطَّلَاقَ حِينَ تَكَلَّمَ الْمُكَلَّفُ بِهِ " فَنَعَمْ إذًا؛ لَكِنْ شَاءَ الطَّلَاقَ الْمُطْلَقَ أَوْ الْمُعَلَّقَ؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ طَلَاقٌ مُطْلَقٌ، بَلْ الْوَاقِعُ مِنْهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، فَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَكُونُ مَشِيئَةً لِلطَّلَاقِ الْمُطْلَقِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ طَلَاقَهَا فَطَلُقَتْ.
وَعِنْدَ هَذَا فَنَقُولُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُنْطِقَ الْعَبْدَ لَأَنْطَقَهُ بِالطَّلَاقِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ، وَلَا اسْتِثْنَاءٍ، فَلَمَّا أَنْطَقَهُ بِهِ مُقَيَّدًا بِالتَّعْلِيقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ لَهُ الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ، فَإِنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْأَمْرَ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّفْظِ لَا تَكُونُ مَشِيئَةً لِلْحُكْمِ حَتَّى يَكُونَ اللَّفْظُ صَالِحًا لِلْحُكْمِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلَفَّظَ الْمُكْرَهُ أَوْ زَائِلُ الْعَقْلِ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِالطَّلَاقِ فَقَدْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ وُقُوعَ هَذَا اللَّفْظِ، وَلَمْ يَشَأْ وُقُوعَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُرَتِّبْ عَلَى أَلْفَاظِ هَؤُلَاءِ أَحْكَامَهَا؛ لِعَدَمِ إرَادَتِهِمْ لِأَحْكَامِهَا، فَهَكَذَا الْمُعَلِّقُ طَلَاقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ يُرِيدُ أَنْ لَا يَقَعَ طَلَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ لَهُ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ لِمَنْ أَنْصَفَ.
وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ الِاسْتِثْنَاءُ عَقْدَ الْيَمِينِ لِأَجْلِهِ؛ هُوَ بِعَيْنِهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: " وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الْيَوْمَ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ " فَقَدْ الْتَزَمَ فِعْلَهُ فِي الْيَوْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَهُ فَقَدْ عَلِمْنَا مَشِيئَةَ اللَّهِ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَشَأْهُ؛ إذْ لَوْ شَاءَهُ لَوَقَعَ، وَلَا بُدَّ، وَلَا يَكْفِي فِي وُقُوعِ الْفِعْلِ مَشِيئَةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ إنْ شَاءَهُ فَقَطْ، فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَشَاءُ الْفِعْلَ، وَلَا يَقَعُ، فَإِنَّ مَشِيئَتَهُ لَيْسَتْ مُوجِبَةً، وَلَا تَلْزَمُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْمَشِيئَةِ الْأُولَى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30] {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] وَقَالَ فِي الْمَشِيئَةِ الثَّانِيَةِ: {كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ} [المدثر: 54] {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر: 55] {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [المدثر: 56] وَإِذَا كَانَ تَعْلِيقُ الْحَلِفِ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَكَذَلِكَ تَعْلِيقُ الْوَعْدِ، فَإِذَا قَالَ: " أَفْعَلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ "، وَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ مُخْلِفًا، كَمَا لَا يَكُونُ فِي الْيَمِينِ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 52
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست