responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 283
وَدَلِيلًا، ثُمَّ تَرْجَمَ عَلَيْهِ تَرْجَمَةً ثَالِثَةً فَقَالَ: " نَقْضُ الْحَاكِمِ مَا حَكَمَ بِهِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ أَجَّلَ مِنْهُ ".
قُلْتُ: وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: يَكُونُ بَيْنَهُمَا، إجْرَاءٌ لِلنَّسَبِ مَجْرَى الْمَالِ، وَفِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ، وَفِيهِ نَوْعٌ لَطِيفٌ شَرِيفٌ عَجِيبٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ النَّافِعِ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِقَدَرِ اللَّهِ عَلَى شَرْعِهِ؛ فَإِنَّ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اسْتَدَلَّ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَخَلَقَهُ فِي قَلْبِ الصُّغْرَى مِنْ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ بِحَيْثُ أَبَتْ أَنْ يُشَقَّ الْوَلَدُ، عَلَى أَنَّهُ ابْنُهَا، وَقَوَّى هَذَا الِاسْتِدْلَالَ رِضَا الْأُخْرَى بِأَنْ يُشَقَّ الْوَلَدُ، وَقَالَتْ: نَعَمْ شُقَّهُ، وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَصْدُرُ مِنْ أُمٍّ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ مِنْ حَاسِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَأَسَّى بِصَاحِبِ النِّعْمَةِ فِي زَوَالِهَا عَنْهُ كَمَا زَالَتْ عَنْهُ هُوَ، وَلَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ وَهَذَا الْفَهْمِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا فِي الْحَاكِمِ أَضَاعَ حُقُوقَ النَّاسِ، وَهَذِهِ الشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ.

[الْعَمَلُ بِالسِّيَاسَةِ]
[الْعَمَلُ بِالسِّيَاسَةِ] وَجَرَتْ فِي ذَلِكَ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ أَبِي الْوَفَاءِ ابْنِ عَقِيلٍ وَبَيْنَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْعَمَلُ بِالسِّيَاسَةِ هُوَ الْحَزْمُ، وَلَا يَخْلُو مِنْهُ إمَامٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: السِّيَاسَةُ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ بِحَيْثُ يَكُونُ النَّاسُ مَعَهُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يُشَرِّعْهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ؛ فَإِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ " لَا سِيَاسَةَ إلَّا مَا وَافَقَ الشَّرْعَ " أَيْ لَمْ يُخَالِفْ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ فَصَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَدْتَ مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ فَغَلَطٌ وَتَغْلِيطٌ لِلصَّحَابَةِ؛ فَقَدْ جَرَى مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْمَثْلِ مَا لَا يَجْحَدُهُ عَالِمٌ بِالسِّيَرِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا تَحْرِيقُ الْمَصَاحِفِ كَانَ رَأْيًا اعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى مَصْلَحَةٍ، وَكَذَلِكَ تَحْرِيقُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ الزَّنَادِقَةَ فِي الْأَخَادِيدِ، وَنَفْيُ عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ.
قُلْتُ: هَذَا مَوْضِعُ مَزَلَّةِ أَقْدَامٍ، وَمَضَلَّةِ أَفْهَامٍ، وَهُوَ مَقَامٌ ضَنْكٌ فِي مُعْتَرَكٍ صَعْبٍ، فَرَّطَ فِيهِ طَائِفَةٌ فَعَطَّلُوا الْحُدُودَ، وَضَيَّعُوا الْحُقُوقَ، وَجَرَّؤُا أَهْلَ الْفُجُورِ عَلَى الْفَسَادِ، وَجَعَلُوا الشَّرِيعَةَ قَاصِرَةً لَا تَقُومُ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، وَسَدُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طُرُقًا صَحِيحَةً مِنْ الطُّرُقِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الْمُحِقُّ مِنْ الْمُبْطِلِ، وَعَطَّلُوهَا مَعَ عِلْمِهِمْ وَعِلْمِ النَّاسِ بِهَا أَنَّهَا أَدِلَّةُ حَقٍّ، ظَنًّا مِنْهُمْ مُنَافَاتِهَا لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَاَلَّذِي أَوْجَبَ لَهُمْ ذَلِكَ نَوْعُ تَقْصِيرٍ فِي مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّطْبِيقِ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا، فَلَمَّا رَأَى وُلَاةُ الْأَمْرِ ذَلِكَ وَأَنَّ النَّاسَ لَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُهُمْ إلَّا بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ الشَّرِيعَةِ فَأَحْدَثُوا لَهُمْ قَوَانِينَ سِيَاسِيَّةً يَنْتَظِمُ بِهَا مَصَالِحُ الْعَالَمِ؛ فَتَوَلَّدَ مِنْ تَقْصِيرِ أُولَئِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَإِحْدَاثِ هَؤُلَاءِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ أَوْضَاعِ سِيَاسَتِهِمْ شَرٌّ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 283
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست