responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 199
الْمُعَارَضَاتُ، وَضَعُفَ نُورُ كَشْفِهِ لِلصَّوَابِ؛ فَإِنَّ الْعِلْمَ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ، يُفَرِّقُ بِهِ الْعَبْدُ بَيْنَ الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ.
وَقَالَ مَالِكٌ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَوَّلِ مَا لَقِيَهُ: إنِّي أَرَى اللَّهَ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا فَلَا تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال: 29] وَمِنْ الْفُرْقَانِ النُّورُ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ الْعَبْدُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَكُلَّمَا كَانَ قَلْبُهُ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ كَانَ فُرْقَانُهُ أَتَمَّ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[لَا يَسَعُ الْمُفْتِيَ أَنْ يَجْعَلَ غَرَضَ السَّائِلِ سَائِقَ حُكْمِهِ]
[لَا يَسَعُ الْمُفْتِيَ أَنْ يَجْعَلَ غَرَضَ السَّائِلِ سَائِقَ حُكْمِهِ] الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ: قَدْ تَكَرَّرَ لِكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْإِفْتَاءِ الْإِمْسَاكُ عَمَّا يُفْتُونَ بِهَا مِمَّا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ إذَا خَالَفَ غَرَضَ السَّائِلِ وَلَمْ يُوَافِقْهُ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَسْأَلُهُ عَنْ غَرَضِهِ، فَإِنْ صَادَفَهُ عَنْهُ كَتَبَ لَهُ، وَإِلَّا دَلَّهُ عَلَى مُفْتٍ أَوْ مَذْهَبٍ يَكُونُ غَرَضُهُ عِنْدَهُ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ أَوْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّاتِ الَّتِي فِيهَا نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسَعْ الْمُفْتِيَ تَرْكُهُ إلَى غَرَضِ السَّائِلِ، بَلْ لَا يَسَعُهُ تَوَقُّفُهُ فِي الْإِفْتَاءِ بِهِ عَلَى غَرَضِ السَّائِلِ، بَلْ ذَلِكَ إثْمٌ عَظِيمٌ، وَكَيْفَ يَسَعُهُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُقَدِّمَ غَرَضَ السَّائِلِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ وَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الَّتِي يَتَجَاذَبُ أَعِنَّتَهَا الْأَقْوَالُ وَالْأَقْيِسَةُ، فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ قَوْلٌ مِنْهَا لَمْ يَسَعْ لَهُ أَنْ يَتَرَجَّحَ لِغَرَضِ السَّائِلِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ لَهُ قَوْلٌ مِنْهَا وَظَنَّ أَنَّهُ الْحَقُّ فَأَوْلَى بِذَلِكَ؛ فَإِنَّ السَّائِلَ إنَّمَا يَسْأَلُ عَمَّا يَلْزَمُهُ فِي الْحُكْمِ وَيَسَعُهُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ عَرَّفَهُ الْمُفْتِي أَفْتَاهُ بِهِ سَوَاءٌ وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ، وَلَا يَسَعُهُ ذَلِكَ أَيْضًا إذَا عَلِمَ أَنَّ السَّائِلَ يَدُورُ عَلَى مَنْ يُفْتِيهِ بِغَرَضِهِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَيَجْعَلُ اسْتِفْتَاءَهُ تَنْفِيذًا لِغَرَضِهِ، لَا تَعَبُّدًا لِلَّهِ بِأَدَاءِ حَقِّهِ، وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى غَرَضِهِ أَيْنَ كَانَ، بَلْ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتِيَ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَفْتُونَ دِيَانَةً، وَإِنَّمَا يَسْتَفْتُونَ تَوَصُّلًا إلَى حُصُولِ أَغْرَاضِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ اتَّفَقَ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي مُسَاعَدَتَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ الْحَقَّ، بَلْ يُرِيدُونَ أَغْرَاضَهُمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ وَافَقَ، وَلِهَذَا إذَا وَجَدُوا أَغْرَاضَهُمْ فِي أَيِّ مَذْهَبٍ اتَّفَقَ اتَّبَعُوهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَتَمَذْهَبُوا بِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ أَرْبَابُ الْخُصُومَاتِ بِالدَّعَاوَى عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَلَا يَقْصِدُ أَحَدُهُمْ حَاكِمًا بِعَيْنِهِ، بَلْ أَيُّ حَاكِمٍ نَفَذَ غَرَضُهُ عِنْدَهُ صَارَ إلَيْهِ.
وَقَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَرَّةً: أَنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ إفْتَاءِ هَؤُلَاءِ وَتَرْكِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَفْتُونَ لِلدِّينِ، بَلْ لِوُصُولِهِمْ إلَى أَغْرَاضِهِمْ حَيْثُ كَانَتْ، وَلَوْ وَجَدُوهَا عِنْدَ غَيْرِي لَمْ يَجِيئُوا إلَيَّ،

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 199
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست