responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 16
إلَيْهِ أَرْضَهُ وَيَقُولَ: اغْرِسْهَا مِنْ الْأَشْجَارِ كَذَا وَكَذَا، وَالْغَرْسُ بَيْنَنَا نِصْفَانِ، وَهَذَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ يَتَّجِرُ فِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ أَرْضَهُ يَزْرَعَهَا، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ شَجَرَةً يَقُومُ عَلَيْهِ، وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ بَقَرَهُ أَوْ غَنَمَهُ أَوْ إبِلَهُ يَقُومُ عَلَيْهَا، وَالدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ زَيْتُونَهُ يَعْصِرُهُ، وَالزَّيْتُ بَيْنَهُمَا، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ دَابَّتَهُ يَعْمَلُ عَلَيْهَا، وَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ فَرَسَهُ يَغْزُو عَلَيْهَا، وَسَهْمُهَا بَيْنَهُمَا، وَكَمَا يَدْفَعَ إلَيْهِ قَنَاةً يَسْتَنْبِطُ مَاءَهَا، وَالْمَاءُ بَيْنَهُمَا، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ قَدْ دَلَّ عَلَى جَوَازِهَا النَّصُّ وَالْقِيَاسُ وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ وَمَصَالِحُ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهَا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا مَصْلَحَةٍ، وَلَا مَعْنًى صَحِيحٍ يُوجِبُ فَسَادَهَا.
وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا ذَلِكَ عُذْرُهُمْ أَنَّهُمْ ظَنُّوا ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، فَالْعِوَضُ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهَا، وَالْمُضَارَبَةَ لِلْإِجْمَاعِ دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْجَوَازَ بِالْمُضَارَبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُ الْأَصْلِ يَرْجِعُ إلَى الْعَامِلِ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، وَجَوَّزَهُ فِيمَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ الثَّمَرَةُ مَعَ بَقَاءِ الْأَصْلِ كَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ.
وَالصَّوَابُ جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَقَوَاعِدِهَا؛ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُشَارَكَةِ الَّتِي يَكُونُ الْعَامِلُ فِيهَا شَرِيكَ الْمَالِكِ هَذَا بِمَالِهِ، وَهَذَا بِعَمَلِهِ، وَمَا رَزَقَ اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْلَى، بِالْجَوَازِ مِنْ الْإِجَارَةِ، حَتَّى قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذِهِ الْمُشَارَكَاتُ أَحَلُّ مِنْ الْإِجَارَةِ، قَالَ: لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَدْفَعُ مَالَهُ، وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ، وَقَدْ لَا يَحْصُلُ، فَيَفُوزُ الْمُؤَجِّرُ بِالْمَالِ وَالْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْخَطَرِ، إذْ قَدْ يَكْمُلُ الزَّرْعُ.
وَقَدْ لَا يَكْمُلُ، بِخِلَافِ الْمُشَارَكَةِ؛ فَإِنَّ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْفَوْزِ وَعَدَمِهِ عَلَى السَّوَاءِ، إنْ رَزَقَ اللَّهُ الْفَائِدَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ مَنَعَهَا اسْتَوَيَا فِي الْحِرْمَانِ، وَهَذَا غَايَةُ الْعَدْلِ؛ فَلَا تَأْتِي الشَّرِيعَةُ بِحِلِّ الْإِجَارَةِ وَتَحْرِيمِ هَذِهِ الْمُشَارَكَاتِ.
وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُضَارَبَةَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَضَارَبَ أَصْحَابُهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَجْمَعَتْ عَلَيْهَا الْأُمَّةُ، وَدَفَعَ خَيْبَرَ إلَى الْيَهُودِ يَقُومُونَ عَلَيْهَا وَيَعْمُرُونَهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَهَذَا كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَخْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَلَا امْتَنَعَ مِنْهُ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ، وَأَصْحَابُهُ بَعْدَهُ، بَلْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِأَرَاضِيِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ يَدْفَعُونَهَا إلَى مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَهُمْ مَشْغُولُونَ بِالْجِهَادِ وَغَيْرِهِ.
وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْمَنْعُ إلَّا فِيمَا مَنَعَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: إذَا نَظَرَ ذُو الْبَصَرِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ تَأْتِ هَذِهِ النُّصُوصُ وَالْآثَارُ؛ فَلَا حَرَامَ إلَّا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 16
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست