responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 138
بَلْ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، وَأَرْفَقُ بِهِ، وَإِنْ تَرَجَّحَ مُوجِبُ الشَّرْطِ وَكَانَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ وَالطَّاعَةِ فِيهِ أَظْهَرَ وَجَبَ الْتِزَامُهُ.
فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْكُلِّيُّ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ، وَمَا يَجِبُ الْتِزَامُهُ مِنْهَا، وَمَا يَسُوغُ، وَمَا لَا يَجِبُ، وَمَنْ سَلَكَ غَيْرَ هَذَا الْمَسْلَكِ تَنَاقَضَ أَظْهَرَ تَنَاقُضٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَدَمٌ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ.
فَإِذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَلَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَإِلَى جَانِبِهِ الْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ، بَلْ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْتِزَامُهُ إذَا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ؛ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ إمَّا شَرْطٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَإِمَّا وَاجِبَةٌ يَسْتَحِقُّ تَارِكُهَا الْعُقُوبَةُ، وَإِنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِمَّا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يُقَاتَلُ تَارِكُهَا، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُ شَرْطٍ يُخِلُّ بِهَا.
وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الْعُزُوبِيَّةَ، وَتَرْكَ التَّأَهُّلِ لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ وَلَا الْتِزَامُهُ، بَلْ مَنْ الْتَزَمَهُ رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي شَيْءٍ؛ فَإِنَّ النِّكَاحَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ إمَّا فَرْضٌ يَعْصِي تَارِكُهُ، وَإِمَّا سُنَّةٌ الِاشْتِغَالُ بِهَا أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ النَّهَارِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ وَسَائِرِ أَوْرَادِ التَّطَوُّعَاتِ، وَإِمَّا سُنَّةٌ يُثَابُ فَاعِلُهَا كَمَا يُثَابُ فَاعِلُ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ تَعْطِيلِهِ أَوْ تَرْكِهِ؛ إذْ يَصِيرُ مَضْمُونُ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ تَنَاوُلَ الْوَقْفِ إلَّا مَنْ عَطَّلَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَخَالَفَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَمَنْ فَعَلَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَامَ بِالسُّنَّةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ شَيْئًا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْتِزَامِ هَذَا الشَّرْطِ وَالْإِلْزَامِ بِهِ مِنْ مُضَادَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَهُوَ أَقْبَحُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ تَرْكَ الْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَصِيَامِ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ وَالتَّطَوُّعِ بِاللَّيْلِ، بَلْ أَقْبَحُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَمِنْ هَذَا اشْتِرَاطُهُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ فِي التُّرْبَةِ الْمَدْفُونِ بِهَا وَيَدَعَ الْمَسْجِدَ، وَهَذَا أَيْضًا مُضَادٌّ لِدِينِ الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ مُضَادَّةٍ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنْ الْمُتَّخِذِينَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، فَالصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، بَاطِلَةٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ وَلَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ بِفِعْلِهَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ الْتِزَامُ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَهَا، وَتَعْطِيلُ شَرْطِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ فَهَذَا تَغْيِيرُ الدِّينِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُقِيمُ لَهُ مِنْ يُبَيِّنُ أَعْلَامَهُ وَيَدْعُو إلَيْهِ.
وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ إيقَادِ سِرَاجٍ أَوْ قِنْدِيلٍ عَلَى الْقَبْرِ؛ فَلَا يَحِلُّ لِلْوَاقِفِ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ، وَلَا لِلْحَاكِمِ تَنْفِيذُهُ، وَلَا لِلْمُفْتِي تَسْوِيغُهُ، وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَالْتِزَامُهُ، فَقَدْ لَعَنْ رَسُولُ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست