responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 123
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] لَمَّا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِإِلْحَاقِ الذُّرِّيَّةِ وَلَا عَمَلَ لَهُمْ بِآبَائِهِمْ فِي الدَّرَجَةِ فَرُبَّمَا تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنْ يَحُطَّ الْآبَاءَ إلَى دَرَجَةِ الذُّرِّيَّةِ، فَرَفَعَ هَذَا التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21] أَيْ مَا نَقَصْنَا مِنْ الْآبَاءِ شَيْئًا مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ، بَلْ رَفَعْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ إلَى دَرَجَتِهِمْ، وَلَمْ نَحُطَّهُمْ إلَى دَرَجَتِهِمْ بِنَقْصِ أُجُورِهِمْ.
وَلَمَّا كَانَ الْوَهْمُ قَدْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِأَهْلِ النَّارِ كَمَا يَفْعَلُهُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ قَطَعَ هَذَا الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21] وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: 91] فَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ رُبُوبِيَّتِهِ الْبَلْدَةَ الْحَرَامَ قَدْ يُوهِمُ الِاخْتِصَاصَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: {وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ} [النمل: 91] وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] فَلَمَّا ذَكَرَ كِفَايَتَهُ لِلْمُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ فَرُبَّمَا أَوْهَمَ ذَلِكَ تَعْجِيلَ الْكِفَايَةِ وَقْتَ التَّوَكُّلِ فَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3] أَيْ وَقْتًا لَا يَتَعَدَّاهُ فَهُوَ يَسُوقُهُ إلَى وَقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ.
فَلَا يَسْتَعْجِلُ الْمُتَوَكِّلُ وَيَقُولُ: قَدْ تَوَكَّلْت، وَدَعَوْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا وَلَمْ تَحْصُلْ لِي الْكِفَايَةُ، فَاَللَّهُ بَالِغُ أَمْرِهِ فِي وَقْتِهِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ بَابٌ لَطِيفٌ مِنْ أَبْوَابِ فَهْمِ النُّصُوصِ.

[ذَكَرَ الْمُفْتِي دَلِيلَ الْحُكْمِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ وَمَأْخَذَهُ]
[مِمَّا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَذْكُرَ الْحُكْمَ بِدَلِيلِهِ] الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:
يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي أَنْ يَذْكُرَ دَلِيلَ الْحُكْمِ وَمَأْخَذَهُ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُلْقِيهِ إلَى الْمُسْتَفْتِي سَاذَجًا مُجَرَّدًا عَنْ دَلِيلِهِ وَمَأْخَذِهِ؛ فَهَذَا لِضِيقِ عَطَنِهِ وَقِلَّةِ بِضَاعَتِهِ مِنْ الْعِلْمِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فَتَاوَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَوْلُهُ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ رَآهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى حِكْمَةِ الْحُكْمِ وَنَظِيرِهِ، وَوَجْهِ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَهَذَا كَمَا «سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا جَفَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَزَجَرَ عَنْهُ» ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ نُقْصَانَهُ بِالْجَفَافِ، وَلَكِنْ نَبَّهَهُمْ عَلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَسَبَبِهِ.
وَمِنْ هَذَا «قَوْلُهُ لِعُمَرَ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ قُبْلَةِ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضَتْ ثُمَّ مَجَجْتَهُ، أَكَانَ يَضُرُّ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا» ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْمَحْظُورِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَحْظُورَةً؛ فَإِنَّ غَايَةَ الْقُبْلَةِ أَنَّهَا مُقَدِّمَةُ الْجِمَاعِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ تَحْرِيمُ مُقَدِّمَتِهِ، كَمَا أَنَّ وَضْعَ الْمَاءِ فِي الْفَمِ مُقَدِّمَةُ شُرْبِهِ، وَلَيْسَتْ الْمُقَدِّمَةُ مُحَرَّمَةً.
وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ قَطَعْتُمْ

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 123
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست