responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 119
وَالْمَحْظُورُ إنَّمَا هُوَ خُلُوُّ عَصْرِهِمْ عَنْ نَاطِقٍ بِالصَّوَابِ وَاشْتِمَالُهُ عَلَى نَاطِقٍ بِغَيْرِهِ فَقَطْ؛ فَهَذَا هُوَ الْمُحَالُ.
وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِكُمْ: لَوْ كَانَ قَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ حُجَّةً لَمَا جَازَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ بِمُجَرَّدِهِ حُجَّةً، بَلْ بِمَا انْضَافَ إلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْقَرَائِنِ.

[مَنْزِلَةُ قَوْلِ التَّابِعِيِّ وَتَفْسِيرِهِ]
فَإِنْ قِيلَ: فَبَعْضُ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْأَدِلَّةِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّابِعِيَّ إذَا قَالَ قَوْلًا وَلَمْ يُخَالِفْهُ صَحَابِيٌّ وَلَا تَابِعِيٌّ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ حُجَّةً.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ التَّابِعِينَ انْتَشَرُوا انْتِشَارًا لَا يَنْضَبِطُ لِكَثْرَتِهِمْ، وَانْتَشَرَتْ الْمَسَائِلُ فِي عَصْرِهِمْ؛ فَلَا يَكَادُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ الْمُخَالِفِ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ، فَإِنْ فَرَضَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَجِبُ اتِّبَاعُ التَّابِعِيِّ فِيمَا أَفْتَى بِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ صَحَابِيٌّ وَلَا تَابِعِيٌّ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ بِأَنَّهُ قَالَهُ تَقْلِيدًا لِعَطَاءٍ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ عِلْمِهِ وَفِقْهِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ قَوْلِ عَطَاءٍ، فَكَانَ قَوْلُهُ عِنْدَهُ أَقْوَى مَا وَجَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى مَعْنَى قَوْلِ عَطَاءٍ، وَالْأَكْثَرُونَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ، وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفُرُوقِ، عَلَى أَنَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِتَفْسِيرِ التَّابِعِيِّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كُتُبَ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَجَدَهَا مَشْحُونَةً بِالِاحْتِجَاجِ بِتَفْسِيرِ التَّابِعِيِّ.

[قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ]
[حُكْمُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسِ]
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ؟ قِيلَ: مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَهُمْ قَوْلَانِ فِيمَا إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حُجَّةً؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَ حُجَّةً شَرْعِيَّةً، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي نَفْسِهِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوْقِيفًا، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرْسَلِ الَّذِي عَمِلَ بِهِ مُرْسِلُهُ.
وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ إنَّهُ حُجَّةٌ فَلَهُمْ أَيْضًا قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حُجَّةٌ، وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ، بَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ، فَتَرَتُّبُ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ: الْقُرْآنُ، ثُمَّ السُّنَّةُ، ثُمَّ قَوْلُ الصَّحَابَةِ، ثُمَّ الْقِيَاسُ، وَالثَّانِي: لَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَالْأَوَّلُونَ يَقُولُونَ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَقْوَى مِنْ الْمُعَارِضِ الَّذِي خَالَفَهُ مِنْ الْقِيَاسِ؛ لِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ، وَالْأَخْذُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ مُتَعَيِّنٌ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست