responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 114
عَلَيْهِمَا، وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقُوَاهُمْ مُتَفَرِّقَةٌ، وَهِمَمُهُمْ مُتَشَعِّبَةٌ، فَالْعَرَبِيَّةُ وَتَوَابِعُهَا قَدْ أَخَذَتْ مِنْ قُوَى أَذْهَانِهِمْ شُعْبَةً، وَالْأُصُولُ وَقَوَاعِدُهَا قَدْ أَخَذَتْ مِنْهَا شُعْبَةً، وَعِلْمُ الْإِسْنَادِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا شُعْبَةً، وَفِكْرُهُمْ فِي كَلَامِ مُصَنِّفِيهِمْ وَشُيُوخِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ، وَمَا أَرَادُوا بِهِ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا شُعْبَةً، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ، فَإِذَا وَصَلُوا إلَى النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ إنْ كَانَ لَهُمْ هِمَمٌ تُسَافِرُ إلَيْهَا وَصَلُوا إلَيْهَا بِقُلُوبٍ وَأَذْهَانٍ قَدْ كَلَّتْ مِنْ السَّيْرِ فِي غَيْرِهَا.
وَأَوْهَنَ قُوَاهُمْ مُوَاصَلَةُ السُّرَى فِي سِوَاهَا، فَأَدْرَكُوا مِنْ النُّصُوصِ وَمَعَانِيهَا بِحَسَبِ تِلْكَ الْقُوَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ يَحُسُّ بِهِ النَّاظِرُ فِي مَسْأَلَةٍ إذَا اسْتَعْمَلَ قُوَى ذِهْنِهِ فِي غَيْرِهَا، ثُمَّ صَارَ إلَيْهَا وَافَاهَا بِذِهْنٍ كَالٍّ وَقُوَّةٍ ضَعِيفَةٍ، وَهَذَا شَأْنُ مَنْ اسْتَفْرَغَ قُوَاهُ فِي الْأَعْمَالِ غَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ تُضْعِفُ قُوَّتَهُ عِنْدَ الْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ، كَمَنْ اسْتَفْرَغَ قُوَّتَهُ فِي السَّمَاعِ الشَّيْطَانِيِّ فَإِذَا جَاءَ قِيَامُ اللَّيْلِ قَامَ إلَى وِرْدِهِ بِقُوَّةٍ كَالَّةٍ وَعَزِيمَةٍ بَارِدَةٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَرَفَ قُوَى حُبِّهِ، وَإِرَادَتِهِ إلَى الصُّوَرِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الْجَاهِ، فَإِذَا طَالَبَ قَلْبَهُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ فَإِنْ انْجَذَبَ مَعَهُ انْجَذَبَ بِقُوَّةٍ ضَعِيفَةٍ قَدْ اسْتَفْرَغَهَا فِي مَحَبَّةِ غَيْرِهِ، فَمَنْ اسْتَفْرَغَ قُوَى فِكْرِهِ فِي كَلَامِ النَّاسِ، فَإِذَا جَاءَ إلَى كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ جَاءَ بِفِكْرَةٍ كَالَّةٍ فَأَعْطَى بِحَسَبِ ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَاجْتَمَعَتْ قُوَاهُمْ عَلَى تَيْنِك الْمُقَدِّمَتَيْنِ فَقَطْ، هَذَا إلَى مَا خُصُّوا بِهِ مِنْ قُوَى الْأَذْهَانِ وَصَفَائِهَا، وَصِحَّتِهَا وَقُوَّةِ إدْرَاكِهَا، وَكَمَالِهِ، وَكَثْرَةِ الْمُعَاوِنِ، وَقِلَّةِ الصَّارِفِ، وَقُرْبِ الْعَهْدِ بِنُورِ النُّبُوَّةِ، وَالتَّلَقِّي مِنْ تِلْكَ الْمِشْكَاةِ النَّبَوِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَنَا وَحَالَهُمْ فِيمَا تَمَيَّزُوا بِهِ عَلَيْنَا، وَمَا شَارَكْنَاهُمْ فِيهِ فَكَيْفَ نَكُونُ نَحْنُ أَوْ شُيُوخُنَا أَوْ شُيُوخُهُمْ أَوْ مَنْ قَلَّدْنَاهُ أَسْعَدَ بِالصَّوَابِ مِنْهُمْ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ؟ وَمَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِهَذَا فَلْيَعْزِلْهَا مِنْ الدِّينِ وَالْعَمَلِ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْأَرْبَعُونَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ» وَقَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَضِيَ عَنْهُ: لَنْ تَخْلُوَ الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ لِكَيْ لَا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئَ الصَّحَابِيُّ فِي حُكْمٍ، وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ نَاطِقٌ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأُمَّةِ قَائِمٌ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ سَاكِتٍ وَمُخْطِئٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ قَائِمٌ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَلَا مَنْ يَأْمُرُ فِيهِ بِمَعْرُوفٍ أَوْ يَنْهَى فِيهِ عَنْ مُنْكَرٍ، حَتَّى نَبَغَتْ نَابِغَةٌ فَقَامَتْ بِالْحُجَّةِ وَأَمَرَتْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَتْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ.

نام کتاب : إعلام الموقعين عن رب العالمين نویسنده : ابن القيم    جلد : 4  صفحه : 114
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست